للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اعتقاد أهل السنة في مسألة الخروج على ولاة الأمر]

قرر أهل السنة والجماعة معتقداً مأخوذاً من النصوص، وهو عدم جواز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي وبالظلم وبالجور، ويدل على ذلك الحديث الآخر: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)، ومعنى (كفراً بواحاً)، أي: واضحاً صريحاً لا لبس فيه ولا احتمال، ففي هذه الحالة يجوز الخروج مع القدرة، وأما مع عدمها فلا يجوز.

وأهل السنة حينما قرروا هذه القاعدة إنما قرروها انطلاقاً من هذه النصوص الكثيرة التي فيها النهي عن الخروج على ولاة الأمر بمطلق الظلم والمعاصي، وهي داخلة تحت قاعدة المصالح والمفاسد، أي: عند اجتماع المصالح والمفاسد يقدم درء المفاسد على جلب المصالح، ولتوضيح تنزيل القاعدة على هذه المسألة نقول: إن الصبر على جور الولاة وظلمهم يتعلق به مصالح عظيمة، وذلك أن الله علق بولاة الأمور مصالح عظيمة، فعلق عليهم إقامة الحدود، واستقرار الأمن، وأداء الحقوق، وردع الظالم، واجتماع الكلمة، والقوة أمام أعداء الأمة فلا تغلب، بخلاف ما يسببه الخروج من النزاع والفشل والفرقة، وتربص الأعداء بالأمة الدوائر، واختلال الأمن ونظام الحياة والتعليم والاقتصاد، وغير ذلك من المفاسد التي لا حصر لها، ومنها إراقة الدماء والتناحر والتطاعن والتطرف.

فأي المفسدتين أعظم: هذه المفاسد أم مفسدة الجور أو الظلم أو المعصية التي يفعلها ولي الأمر؟! لا شك في أن الصبر وعدم الخروج هو الذي تقتضيه المصلحة وتدل عليه النصوص.

فالواجب على طلبة العلم أن يعلموا هذا الأصل العظيم، وهو أصل من أصول أهل السنة، وأن يعلموا أن الخروج على ولاة الأمور من شعار أهل البدع كالرافضة والخوارج والمعتزلة الذين يرون الخروج على ولاة الأمور بمجرد ما تقدم، وهم في هذا منحرفون عن معتقد أهل السنة والجماعة، ومخالفون لأصولهم، ولهذا قرر العلماء في حصول العقائد -كـ الطحاوي وغيره- هذا الأمر، قال الطحاوي [ولا نرى الخروج على أئمتنا -يعني: بالمعاصي- وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة].

فأهل السنة في كتب العقائد كلها يقررون هذا الأصل، وهو عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والظلم والجور، وأهل السنة تميزوا عن أهل البدع بهذا الأصل.

كما أن العلماء يقررون في كتب العقائد مسألة المسح على الخفين، فيقولون: ونرى المسح على الخفين مخالفة للرافضة الذين لا يرون المسح على الخفين، فالرافضة لا يرون المسح على الخفين، بل يقولون: من كان عليه خفان وجب عليه أن يخلعهما وأن يمسح ظهور القدمين، ولا يغسل الرجلين، فلهذا قرر العلماء في كتب العقائد قولهم: ونرى المسح على الخفين مخالفة للرافضة الذين لا يرون المسح على الخفين.

وكذلك قالوا: ولا نرى الخروج على أئمتنا.

فقرروا عدم الخروج على ولاة الأمور أخذاً بهذه النصوص، ودفعاً لما يترتب على الخروج من المفاسد العظيمة، وأخذاً بما يترتب على الصبر على الولاة من المصالح العظيمة، والخروج من شعار أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والرافضة.

فينبغي لطالب العلم أن يكون على بصيرة في هذا الأمر؛ لأن كثيراً من الشباب ليست عندهم بصيرة، وقد حدثت استشكالات لكثير من الشباب في كثير من المقامات، وبينت لهم معتقد أهل السنة والجماعة في هذا، وبعضهم لا يزال عنده استشكالات وعدم قبول لهذا الأمر، فالواجب على طالب العلم أن يتبصر وأن يقرأ في كتب أهل العقائد، وأن يتأمل النصوص حتى يتبين له هذا الأصل العظيم الذي أقره أهل السنة، وخالفوا فيه أهل البدع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>