[حكم الاتحادية والحلولية في الشرع]
الاتحادية والحلولية منافقون زنادقة، من مات منهم على حاله فهو في الدرك الأسفل من النار؛ لأن الحلولية جعلوا الله حالاً في كل شيء، تعالى الله عما يقولون، وكفر كل كافر جزء من كفر الاتحادية.
وإذا كان الحلولي الذي يقول: إن معبوده حل في البطون وفي أجواف الطيور وفي بطون السباع وفي الأخلية والحشوش، فإن من هؤلاء من قال: إنه نفس البطون، ونفس الأجواف، ونفس الأخلية، تعالى الله عما يقولون.
وإذا كان المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه كفاراً؛ فالذي يقول: هو نفس المخلوق أعظم كفراً، ولهذا لما قيل لبعضهم: أين كفر المشبهة وكفر النصيرية وكفر الحلولية؟ قال كفر الاتحادية أعظم كفراً من هؤلاء، ولما قيل لبعضهم: أنت نصيري؟ قال: نصير جزء مني.
إذاً: الاتحادية والحلولية منافقون زنادقة، ومن أعظمهم كفراً من ضرب لنفسه المثل بلبنة الذهب وللرسول صلى الله عليه وسلم المثل بلبنة الفضة، وكفر هؤلاء فوق كفر الذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الأنعام:١٢٤] فهؤلاء الذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الأنعام:١٢٤] طلبوا أن يكونوا مثل الرسول فكفرهم الله، فكيف بمن قال: إنه أعلى من الرسل وأفضل؟! وبذلك يكون كفره أعظم، ويكفيك دليلاً على كفر الاتحادية أن من أقوالهم: إن فرعون مات مؤمناً بريئاً من الذنوب خلياً من الذنوب، ومات موحداً، وهو من أعظم العارفين، ويقولون: إنه مصيب حينما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، ويقولون: إنه على حق؛ لأن الوجود واحد، فهو صاحبهم وأخوهم، كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في القصيدة النونية أنهم يقولون: إن فرعون أغرقه الله تطهيراً له من الحسبان، أي: حينما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، فهو مخطئ؛ لأنه يظن أنه هو الرب الأعلى، فأغرق تطهيراً له من هذا الحسبان ومن هذا الوهم، فلما أغرق تطهر، أي: صار بريئاً خلياً من الكفر.
فيقولون: هو مخطئ حينما قال: أنا ربكم الأعلى؛ لأن كل شيء تراه هو الرب، والكفر عند الاتحادية يكون بالتخصيص، فمن قال: لا تعبد إلا هذا الشيء فهذا كافر عند الاتحادية، بل كل شيء عند الاتحادية يعبد، فمن عبد الأصنام، ومن عبد الأوثان، ومن عبد النار، ومن عبد الصلبان، كلهم على حق، والكفر إنما هو بالتخصيص، فالذي يخصص هو الكافر، ولما خصص فرعون نفسه بالألوهية أغرق تطهيراً له من هذا الحسبان وهذا الوهم، فلما أغرق تطهر وصار بريئاً خلياً من الذنوب، هكذا يقول: ابن عربي والاتحادية، والعياذ بالله.
وعلى هذا فيكون مذهب الاتحادية أنه ليس هناك خالق ومخلوق، ولا رب ولا عبد، ولا شريعة، ولا حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي، ولا كفر ولا إيمان، إلا الذي يخصص الشيء، فهو الكافر عندهم، والذي يترك الناس على حالهم، كل يعبد ما يشاء هو الموحد، فالذي يعبد الصنم على حق، والذي يعبد الله على حق، والذي يتدين باليهودية على حق، والذي يتدين بالنصرانية على حق، والذي يتدين بالوثنية على حق، لأن الوجود واحد، نسأل الله السلامة والعافية.
فهؤلاء كفار ملاحدة زنادقة، تجري عليهم أحكام المسلمين في الدنيا؛ لأنهم يخفون الكفر، وهو في مؤلفاتهم وفيما بينهم، وعلى مر العصور إذا وجدت الدولة الإسلامية التي تقيم الحدود فإنهم يخفونه حتى لا تقطع رقابهم، فهؤلاء الاتحادية تعاملهم الدولة الإسلامية معاملة المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين في زمنه معاملة المسلمين، فيغسلون ويصلى عليهم، ويدفنون في مقابر المسلمين ويورثون، إلا من أظهر كفراً أو أظهر شيئاً من كفره فإنه يعامل معاملة المرتد ويقتل، وعبد الله بن أبي هو رئيس المنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما مات -كما ثبت في صحيح البخاري - ودلي في حفرته جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به فأخرج من حفرته ونفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه، وصلى عليه، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه جذب عمر ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! تصلي عليه وقد قال كذا وكذا؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخر عني يا عمر، فإني قد خيرت، فقيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:٨٠]، ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت) فصلى عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد جاءه النهي عن هذا في أول الأمر، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما ألبسه قميصه مكافأة له؛ لأن عبد الله بن أبي أعطى قميصه للعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان عبد الله بن أبي طويلاً وكان العباس طويلاً، ولم يجد العباس ثوباً يناسبه إلا ثوب عبد الله بن أبي، فأعطاه مكافأة له، ورجاء أن ينفعه الله بذلك؛ لأنه لم ينه، وكان في ذلك مراعاة للأنصار؛ فإن أصله من الأوس من الأنصار، ومراعاة لابنه عبد الله بن عبد الله، فقد كان من أصلح المؤمنين، ولما قال عبد الله بن أبي مقالته الخبيثة، كما قال تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨] وقف له ابنه عبد الله وقال: والله لا تدخل المدينة حتى تكون أنت الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال ما معناه: سمعتك تريد قتل أبي، فإن كنت تريد ذلك فمرني آتيك برأسه، فلا أحب أن أرى قاتل أبي، وبعدما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم نزلت الآية بالنهي عن الصلاة على المنافقين، فقال تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:٨٤]، فلم يصل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على أحد من المنافقين، وهذا ثابت عند البخاري في كتاب الجنائز وفي غيره.
إذاً: الاتحادية زنادقة منافقون، والمنافقون تجري عليهم أحكام الإسلام في الدنيا إذا لم يظهر منهم ما يدل على كفرهم، فإن ظهر منهم ما يدل على كفرهم فإنهم يعاملون معاملة المرتدين ويقتلون، ومن ذلك القصة التي ساقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه (التوحيد)، وساقها ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء:٦٠] وحاصلها أن رجلاً من اليهود ورجلاً من المنافقين اختصما في شيء، فقال: اليهودي نتحاكم إلى محمد.
لعلمه أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف.
لعلمه أنه يأخذ الرشوة، ثم بدا لهما أن يتحاكما إلى عمر، فتحاكما إليه وأخبراه بالخبر، فسأل عمر المنافق: أحق ما يقول صاحبك أنك لم ترض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم؟! قال: نعم.
فدخل عمر بيته واحتمل سيفه فضرب عنق المنافق؛ لأنه أظهر نفاقه، فإن صحت هذه القصة ففيها دليل على أن المنافق إذا أظهر نفاقه قتل، ولكن هذا يكون من قبل ولاة الأمور بعد أن يقام عليه الحكم الشرعي.
والمقصود أن الاتحادية والحلولية حكمهم في الدنيا حكم المنافقين الزنادقة؛ لأنهم يبطنون الكفر العظيم ويظهرون الإسلام، لكن من أظهر منهم نفاقه فإنه يقتل، أما في الآخرة فالاتحادي في الدرك الأسفل من النار إذا مات على ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:١٤٥]، وهل تقبل توبته أو لا تقبل؟ إذا أخذ قبل التوبة فإنه لا تقبل توبته، بل يقتل، وأما إذا أخذ بعدما أظهر التوبة، ففيه خلاف بين أهل العلم على قولين: القول الأول: أنه لا تقبل توبته؛ لأن هذا كفر عظيم، بل لا بد من قتله ولو ادعى التوبة، فالمنافق ومن سب الله أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام، أو استهزأ بالله أو بكتابه ورسله، وكذلك الساحر لا تقبل توبته، بمعنى أنه لا بد من أن ينفذ فيهم حكم القتل، قرر هذا شيخ الإسلام رحمه الله في الصارم المسلول على شاتم الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الصواب.
وأما في الآخرة فأمرهم إلى الله، فمن صدق في توبته فالله يقبل توبة الصادقين، وإن كان كاذباً فله حكم الكاذبين، لكن في الدنيا يعاملون معاملة المرتدين ولا تقبل توبتهم، بل يقتلون حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر العظيم الوخيم.
فالاتحادية -والعياذ بالله- يقولون: إن الله هو الوجود المطلق، اكتسته الماهيات فهو عينها، والماهيات، هي الذوات، اكتسته فهو عينها، ولا تزال المحدثات تكتسيه وتلبسه وتخلعه، فالموجود المطلق معناه أنه موجود في كل شيء، تلبسه المحدثات، فالنبات يلبسه، والماء يلبسه، وهكذا، ويلبسه هذا ويخلعه، هذا هو الوجود المطلق، نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا هو مذهب المعطلة والجهمية الغلاة، وهكذا وصل بهم الحال، وهذا سببه الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاعتماد على العقول وزبالة الأذهان، وضعف الأفكار، والاعتماد على مناهج أهل الفلسفة وأدلة أهل المنطق، والعياذ بالله.