[ما يثبته الأشاعرة من صفات الله تعالى]
والمعروف المشهور عن الأشاعرة في الصفات أنهم يثبتون سبع صفات لله عز وجل، وهي: الحياة، والعلم، والإرادة، والسمع، والبصر، والقدرة، والكلام، وقد نظمها بعضهم فقال: له الحياة والكلام والبصر سمع إرادة وعلم واقتدر ومنهم من يثبت عشرين صفة، ومنهم من يثبت أربعين، لكن المشهور عنهم إثبات هذه الصفات السبع فقط، وأما ما عداها من الصفات فإنهم ينفونها ولا يثبتونها.
وهم في نفيها يسلكون أحد مسلكين: المسلك الأول: أن يرجعوها إلى معنى الصفات السبع، المحبة في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] يقولون عنها: يريد أن يحبهم، فيرجعونها إلى معنى الإرادة، وهي من الصفات السبع التي يثبتونها.
والمسلك الثاني: أنهم يفسرونها ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات التي هي أثر من آثار الصفات، ولا يفسرونها بالصفات، فيفسرون اليد -مثلاً- بالنعمة، وأحياناً يفسرونها بالقدرة؛ لأن القدرة من الصفات التي يثبتونها، ويفسرون الغضب بالانتقام، والانتقام أثر من آثار الغضب وليس هو الغضب، ويفسرون الرضا بالثواب، والثواب أثر من آثار الرضا، ويفسرون الرحمة بالإنعام.
فقيل لهم: لماذا نفيتم هذه الصفات وأثبتم الصفات السبع، ولم يكن مسلككم في الصفات واحداً كما فعل أهل السنة، فإن الباب واحد، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، فكيف تفرقون بين الصفات فتنفون بعضها وتثبتون بعضها؟! وهذه القاعدة من الأصول التي رد بها أهل السنة على الأشاعرة، وهي أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، فباب الصفات باب واحد.
فيجب إثبات الصفات لله جميعاً كما يجب إثبات الأسماء، ولا يجوز للإنسان أن يفرق بين الصفات فيثبت بعضها وينفي البعض الآخر.
فقالوا: إن إثبات غير الصفات السبع يلزم منه التشبيه والتمثيل؛ لأننا لا نشاهد في الخارج متصفاً بغير الصفات السبع إلا ما هو جسم، والأجسام تتشابه، فلذلك نفينا هذه الصفات عن الله، فالله ليس له مثيل ولا يشبهه شيء من مخلوقاته، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].
فقصدنا من نفي بقية الصفات غير الصفات السبع تنزيه الله عز وجل عن مشابهة المخلوقات والأجسام، فلا نرى من يغضب ويرضى ويرحم إلا المخلوق، فإذا قلنا إن الله يغضب ويرضى ويرحم ويكره فقد شبهناه بالمخلوق، والله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].
فقال لهم أهل السنة: إذا كنتم نفيتم بقية الصفات خوفاً من التشبيه والتمثيل؛ لأنكم لا تشاهدون متصفاً بهذه الصفات إلا ما هو جسم، فيلزمكم -أيضاً- أن تنفوا الصفات السبع؛ لأنكم لا تشاهدون متصفاً بالصفات السبع إلا ما هو جسم، فالمخلوق يتصف بالعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، فكيف تثبتون سبع صفات مع أن هذه الصفات السبع موجودة في المخلوقات؟! فقالوا: إن هذه الصفات السبع نثبتها على وجه لا يماثل فيه الخالق المخلوق ولا يشابهه، فلا يلزم من إثباتها التمثيل.
فقال لهم أهل السنة والجماعة: وكذلك بقية الصفات يجب عليكم أن تثبتوها لله على وجه لا يماثل فيها الخالق صفات المخلوقين، فاسلكوا فيها ما سلكتم في الصفات السبع، فإذا كنتم تثبتون الصفات السبع على وجه لا يماثل الرب فيها صفات المخلوقين، فكذلك اثبتوا بقية الصفات على وجه لا يماثل فيها الرب صفات المخلوقين.
فقالوا: إن هناك فرقاً بين الصفات السبع وبين غيرها، وهذا الفرق هو الذي حملنا على أن نفرق بينها فنثبت الصفات السبع ولا نثبت بقية الصفات، وهو أن الصفات السبع دل عليها العقل مع الشرع، فأثبتناها، وأما بقية الصفات فإنه لم يدل عليها العقل وإنما دل عليها الشرع، ودلالة الشرع ظنية محتملة وليست صريحة.
وهذا الاستدلال مبني على قاعدتهم الفاسدة، وهي قاعدة لأهل البدع عموماً، وهي: أن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، وأدلة القرآن والسنة دلالتها لفظية لا تفيد اليقين، والذي يفيد اليقين هو دليل العقل، ويسمون الأدلة العقلية قواطع عقلية، وبراهين يقينية، وأما دلالة النصوص فهي دلالة لفظية محتملة لا تفيد اليقين ولا القطع.
وهذا من البلاء والمصائب، أعني اعتقاد أن دلالة النصوص ظنية لا تفيد اليقين، وقد جعله ابن القيم رحمه الله طاغوتاً، وحكم عليه بالكفر؛ لأنه منعهم من العمل بالنصوص والأخذ بها واعتقاد أنها تفيد اليقين، وهذا من أبطل الباطل، ويلزم بهذا لوازم فاسدة، منها أنه لا يوثق بالكلام ولا بالعقود، فإذا عقد الإنسان مع آخر عقد بيع فهذا لفظ يمكن ألا يتم به البيع، فله الفسخ، وإذا عقد عقداً للنكاح فإنه يقول: هذا عقد لفظي يمكن ألا يتم به النكاح، وهكذا.
ويلزم منه فساد المعاملة، وفساد الدنيا والآخرة، ويلزم منه أن كلام الله وكلام الرسول لا يوثق بهما ولا يعمل بهما، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم رحمهما الله تعالى.
وهذا الطاغوت يجب كسره، وقد كسره ابن القيم رحمه الله تعالى.
فالمقصود أن هذه الشبهة أو هذا الطاغوت يتعلق به جميع أهل البدع، فالأشاعرة يقولون: إننا أثبتنا الصفات السبع لأنها دل عليها العقل مع الشرع، والعقل دليل قطعي، بخلاف بقية الصفات، فإنها لم يدل عليها العقل، وإنما دل عليها الشرع، ودلالة الشرع ظنية محتملة، فلذلك لم نثبتها.
فمثلاً: الفعل الحادث المتجدد يدل على القدرة، فهذا يخلق، وهذا يولد، وهذا يموت، وهذا نبات ينبت، وهذا يزول، وهذا غني، وهذا فقير، وهذا عزيز، وهذا ذليل، وهذه دولة تزول، وهذه دولة تنشأ، وهكذا، فهذا الفعل الحادث يدل على القدرة وأن الله قادر، فلذلك أثبتنا القدرة.
قالوا: وتخصيص بعض المخلوقات بخواص دون الأخرى يدل على الإرادة، فمثلاً: تخصيص هذا بالعلم، وهذا بالعقل، وهذا بالغنى، وهذا بالفقر، وهذا بالملك، وهذا بكونه مملوكاً، وهذا بالإمارة، وهذا بالوزارة، وهذا بالصعلكة، وهذا بكونه بطيء الغضب، وهذا بكونه سريع الغضب، هذا التخصيص يدل على أن الله مريده.
وكون الأحكام في غاية السداد والملاءمة في الأحوال يُدل على العلم، فهذا لا يصدر إلا عن علم، فأحكام الله الشرعية، وأحكام الله الجزائية، وأحكام الله القدرية في غاية السداد والملاءمة للأحوال، وهي تدل على العلم.
قالوا: فثبت لنا صفات القدرة والإرادة والعلم، وهذه الصفات الثلاث تستدعي الحياة، فلا تصدر إلا عن حي، فثبتت بذلك صفة الحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام أو ضد ذلك، والله له الكمال، فيتصف -إذاً- بالسمع والبصر والكلام.
قالوا: فثبتت لنا الصفات السبع بالعقل مع الشرع، والدليل العقل دليل قطعي، فالعمدة عليه، والشرع جاء موافقاً له، فاعتمدنا إثبات الصفات السبع، وأما بقية الصفات السبع فإنها لم يدل عليها العقل، ودلالة النصوص عليها دلالة ظنية محتملة لا تفيد اليقين، ولذلك لا نجزم بأن هذه الصفات ثابتة لله.