[أنواع شرك الربوبية]
الشرك يكون في الربوبية، ويكون في الأسماء والصفات، ويكون في الألوهية، أي أنه يقابل أقسام التوحيد الثلاثة، والشرك في الربوبية نوعان: النوع الأول: شرك التعطيل، والنوع الثاني: شرك من جعل مع الله إلهاً آخر، ولم يعطل أسماء الرب وصفاته وربوبيته.
ومن أمثلة شرك التعطيل: شرك فرعون، فإن فرعون أنكر الرب العظيم، قال الله سبحانه عنه: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٢٣]، وقد أخبر الله أن فرعون قال لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨]، وأخبر الله عنه في آية أخرى أنه قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، ففرعون عطل الرب، وأنكر الرب سبحانه وتعالى.
ومن أمثلة شرك التعطيل شرك الفلاسفة المتأخرين كـ أرسطو والفارابي وابن سينا، إذا قيل: الفلاسفة فالمراد بهم المتأخرون الذين يتزعمهم أرسطو ويسمون الفلاسفة المشائين، بخلاف الفلاسفة الذين سبقوا أرسطو، فإنهم يعظمون الشرائع والإلهيات في الجملة، أما المتأخرون فيستثنون وجود الله والشرائع والإلهيات.
وكان يتزعم أرسطو الفلاسفة المشائين، ويسمون بالمشائين لأنهم كانوا يدرسون نظرياتهم وهم يمشون، وهو الذي ابتدع القول بقدم العالم، وكان مشركاً يعبد الأصنام، فالفلاسفة شركهم من أمثلة شرك التعطيل، فهم يقولون بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يزل ولا يزال، والحوادث عندهم بأسرها مستندة إلى أسباب ووثائق اقتضت إيجادها يسمونها العقول والنفوس.
إذاًَ: الفلاسفة يقولون بقدم العالم، ولا يقولون: إن الله هو الذي خلقه بقدرته ومشيئته، وإذا كان قديماً فلا خالق له، أي: ليس له أول وقدمه أبدي، فهم ينكرون وجود الله، فمذهبهم إثبات وجود الله مجرداً عن الماهية والصفة، بل هو الوجود المطلق لا يعرض لشيء من الماهيات، ولا يقوم به وصف، وهذا هو التوحيد عندهم.
ومن فروع هذا التوحيد -الذي هو من أعظم الكفر- إنكار ذات الله سبحانه وتعالى، والقول بقدم الأفلاك، وإنكار أسماء الله وصفاته، والقول بأن الله لا يعلم عدد الأفلاك ولا الكواكب، ولا يعلم شيئاً من المعينات الموجودة البتة، ولا يوصف بالقدرة، فلا يقدر على شق الأفلاك ولا حرقها، ولا يقدر على قلب شيء من أعيان العالم.
ومن فروع هذا التوحيد: إنكار الملائكة، واعتبار أن الملائكة عبارة عن أشكال نورانية، أي: خيالية.
ومن فروع هذا التوحيد: إنكار الكتب المنزلة، والقول بأنها عبارة عن فيض فاض من العقل الفعال، فهي أمور معنوية تفيض من العقل الفعال على النفوس الفاضلة الزكية فيحصل لها تصورات بحسب ما قبلته منه.
ومن فروع هذا التوحيد: إنكار النبوة والرسالة، والقول بأن النبوة مكتسبة، وأنها حرفة من الحرف كالولاية والسياسة، وليست هبة من الله، وأن النبي رجل عبقري له صفات يحصل عليها بالمران والخبرة.
ومن فروع هذا التوحيد: إنكار الشرائع، وأنه ليس هناك حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي.
ومن فروع هذا التوحيد: إنكار البعث والجزاء والمعاد والجنة والنار، ويقولون: هذه أمثال مضروبة لتسليم العوام فقط.
ومن أمثلة شرك التعطيل شرك أهل وحدة الوجود، ورئيسهم ابن عربي، حيث يقولون: الوجود واحد، والرب هو العبد والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق، هذا شرك تعطيل في الربوبية، ورؤساؤهم هم ابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني والقونوي وغيرهم من الذين تستروا باسم الإسلام وكسوا إلحادهم حلية الإسلام، ومزجوه بشيء من الحق حتى راج على ضعفاء الأبصار؛ لأنهم منافقون زنادقة، يتسترون باسم الإسلام، ومزجوا باطلهم بشيء من الحق حتى يخفى أمرهم على ضعفاء الأبصار.
ومن أمثلة شرك التعطيل: شرك غلاة الجهمية والقرامطة الذين أنكروا أسماء الرب وصفاته.
فهذه كلها أمثلة للنوع الأول من شرك الربوبية، وهو شرك التعطيل، ومنه شرك فرعون، وشرك الفلاسفة، وشرك طائفة أهل وحدة الوجود، وشرك غلاة الجهمية والقرامطة الذين أنكروا أسماء الرب وصفاته.
النوع الثاني من الشرك في الربوبية: شرك من جعل مع الله إلهاً آخر ولم يعطل أسماء الرب وصفاته وربوبيته، ومن أمثلته: شرك المجوس القائلين بخالقين وإلهين: النور والظلمة، وإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة.
ومن أمثلته أيضاً: الشرك المثلث من النصارى القائلين: الآلهة ثلاثة: الأب والابن وروح القدس.
ومن أمثلة هذا النوع أيضاً: شرك الصابئة الذين يقولون: إن الكواكب العلويات مدبرة لأمر هذا العالم.
ومن أمثلة هذا النوع من الشرك: شرك غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف في هذا الكون، وأن روح الميت تخرج وتتصرف في هذا الكون فتجلب نفعاً، وتدفع ضراً، وتجيب من دعاها، وتحمي من لاذ بحماها واستجار بها، فهذا شرك في الربوبية.
ومن أمثلة أيضاً: شرك من قال: مطرنا بنجم كذا أو نوء كذا، معتقداً أن للنجم تأثيراً في إنزال المطر، وقد يقال: إن هذا داخل في شرك الصابئة.