[ذكر الأقوال في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في ليلة المعراج]
الصواب من أقوال العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ ربه ليلة المعراج، والصواب كذلك أنه لم يرَ أحد غير نبينا الله سبحانه وتعالى في الدنيا أبداً، وفي رؤية نبينا خلاف بين أهل العلم، أما غير نبينا صلى الله عليه وسلم فاتفق العلماء على أنه لم يره أحد، ما عدا بعض الصوفية والملاحدة والمشبهة الذين يقولون: من الممكن أن يرى الله، ويقولون: إن الله ينزل عشية عرفة على الجبل ويصافح ويسامر ويعانق، وقال بعضهم: إنه يندم ويحزن ويبكي -تعالى الله عما يقولون- كما تقول اليهود، وكذلك بعض الصوفية يقولون: إن الله قد يوجد في الخضرة أو في كل خضرة، فلا ندري لعل الله ربنا يكون فيها، فهؤلاء شذوا ولا عبرة بهم، وقد اتفق العلماء على أن الله لم يره أحد في الدنيا من جميع المخلوقين ومن جميع الأنبياء والمرسلين، إلا نبينا صلى الله عليه وسلم على خلاف، واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الأرض، واختلفوا في رؤية النبي لربه ليلة المعراج على ثلاثة أقوال: القول الأول: رآه بعين رأسه.
القول الثاني: لم يره.
والقول الثالث: التوقف.
وجاء في رواية عن الإمام أحمد أن روي عن ابن عباس أنه قال:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}[الإسراء:٦٠] قال: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، وفي رواية: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينيه، وكذلك روي عن الإمام أحمد أنه رآه.
وذهب إلى هذا النووي في شرح مسلم، أي أن النبي رأى ربه بعيني رأسه، وذهب إلى هذا الهروي أيضاً، وجماعة أبي الحسن الأشعري قالوا: إن النبي رأى ربه في ليلة المعراج.
والصواب القول الثاني، وهو أن النبي لم ير ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بعين قلبه، وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها على مسروق لما قال لها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب.
فالصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه (أنه سأل رسول صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نوراً)، وفي لفظ:(نور أنى أراه؟!).
ولما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور -وفي رواية: النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) وهذا عام، وهو أن الله تعالى حجابه النور، فلو كشف النور لأحرقات سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ومحمد من خلقه عليه الصلاة والسلام، ولأن الرؤية نعيم ادخره الله لأهل الجنة.
فالله تعالى وجوده أكمل من وجود كل موجود، لكن تعذرت رؤيته في الدنيا بسبب ضعف البشر، وعدم تحمل البشر رؤية الله، ولكن في يوم القيامة ينشئ الله المؤمنين نشأة قوية يثبتون فيها لرؤية الله ويتحملون رؤيته، فهم يرون الله في الموقف في يوم القيامة، ويرونه سبحانه وتعالى في الجنة، بل إن رؤية المؤمنين لربهم في الجنة أكمل نعيم، وأعظم نعيم يلقاه أهل الجنة، حتى إنهم ينسون جميع ما هم فيه من النعيم، وهي الزيادة التي قال الله تعالى فيها:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦] نسأل الله الكريم من فضله، فأعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤية الله في الآخرة، فادخرها الله سبحانه وتعالى لهم.