جدير بالمؤمن أن يعتني بتوحيد العبادة وتوحيد الألوهية، وهو معنى (لا إله إلا الله)، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، وقد كان كفار قريش يعرفون معنى (لا إله إلا الله)، ولذلك امتنعوا ورفضوا قولها؛ لأنهم يعرفون أن المراد ليس هو التلفظ بالحروف فقط، بل المعنى هو إخلاص التعبد لله، والبعد عن الشرك، فلذلك تواصوا بالصبر على آلهتهم والبقاء عليها، وامتنعوا عن قول:(لا إله إلا الله)، ثم جاء المتأخرون من أهل الكلام وغيرهم ممن يتمسحون بالقبور ويعبدونها من دون الله، ويدعونها ويذبحون لها وينذرون لها؛ فصاروا لا يعرفون معنى (لا إله إلا الله)، فصار الواحد منهم يقول:(لا إله إلا الله) وهو يدعو غير الله، ويذبح وينذر لغير الله؛ لأنه لا يعرف من معنى هذه الكلمة إلا مجرد الحروف، وبعضهم يفسرها بتوحيد الربوبية، كما بين ذلك الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإمام المجدد في رسالة (كشف الشبهات)، فقد بين أن كثيراً من الناس في زمنه لا يعرف من معنى (لا إله إلا الله) إلا مجرد الحروف فقط، والذكي منهم الفطن يفسرها بتوحيد الربوبية، فيقول:(لا إله إلا الله)، أي: لا خالق إلا الله.
والصواب أن الإله هو المعبود، ومعنى:(لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله، فالإله هو المعبود المطاع المتبع.
فلا بد من العناية بمعنى هذه الكلمة، ولا تتبين عظمة هذه الكلمة، بأنها تنفي الشرك عن الله، وأنها تنفي جميع أنواع العبودية عن غير الله وتثبتها لله إلا إذا فسر الإله بالمعبود، وقدر الخبر بـ (حق)، أي: لا إله حق إلا الله، فـ (لا) نافية للجنس تعمل عمل (إن)، فتنصب الاسم وترفع الخبر، واسمها:(إله)، والإله: هو المعبود المطاع المتبع، والخبر محذوف تقديره: حق، أي: لا معبود حق إلا الله.
أما المعبودات الموجودة فهي معبودة بالباطل، فالشمس والقمر والنجوم والأولياء والأنبياء والملائكة، كل هؤلاء عبدوا بالباطل، ولا يستحقون العبادة، وإنما المعبود بالحق هو الله وحده سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[الحج:٦٢]، أما من فسر الإله بأنه الخالق، فهذا قد وافق ما عليه المشركون، فإن المشركين يقولون: لا خالق إلا الله، وكذلك من قدر الخبر فقال: لا إله موجود إلا الله.
فقوله ليس بصحيح، بل الآلهة متعددة وموجودة وكثيرة، وكلها معبودة بالباطل إلا الله، فهو المعبود بالحق سبحانه وتعالى.