الطائفة الثانية: المثلثة من النصارى الذين يقولون بالتثليث، ويقولون: إن الآلهة ثلاثة، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، تعالى الله عما يقولون.
فهم يقولون: الآلهة ثلاثة: الله ومريم وعيسى، وقد كفرهم الله سبحانه وتعالى، وعرض عليهم التوبة، فالتوبة معروضة على جميع العصاة، حتى المثلثة من النصارى الذين هم من أكفر الناس، قال الله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المائدة:٧٣ - ٧٥]، فالمسيح عبد رسول، لا يخرج عن العبودية، وأمه صديقة، لا تخرج عن الصديقية.
وهذا فيه دليل على أن مريم ليست نبية، خلافاً لـ ابن حزم، وكذلك أم موسى، والصواب أن النساء ليس فيهن نبية، وإنما النبوة خاصة بالرجال، قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}[يوسف:١٠٩]، فالنبوة خاصة بالرجال، وقد غلط ابن حزم وجماعة فقالوا: إن أم موسى نبية، مستدلين بقوله:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}[القصص:٧].
وكذلك سارة امرأة إبراهيم عليه السلام، قالوا: إنها نبية؛ لأن الله قال:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}[هود:٧١] فكلمتها الملائكة.
وكذلك مريم قالوا عنها: إنها نبية، وهذا غلط؛ لأن الله تعالى أثنى عليها، وفي مقام الثناء أخبر أنها وصلت إلى درجة الصديقية، فهي صديقة، أي: نهايتها أنها صديقة، ولم تصل إلى درجة النبوة، حيث قال تعالى:{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}[المائدة:٧٥]، ثم قال:{كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}[المائدة:٧٥] يعني أن عيسى وأمه يحتاجان إلى الطعام، فكيف يكونان إلهين؟! والإله كامل بنفسه لا يحتاج إلى شيء، والذي يحتاج إلى الطعام لا يكون إلهاً.
فمن يأكل الطعام ليس بإله، وعيسى احتاج إلى الطعام، فهو ناقص، وإذا لم يأكل الطعام مات وهلك، فهل هذا يكون إلهاً؟! فلهذا بين الله ذلك وقال:{كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}[المائدة:٧٥].