فتوحيد العامة عند الصوفية هو الذي يصح بالشواهد، وهو الذي ينفي الشرك الأعظم، والشواهد هي الأدلة والآيات والبراهين، وهذه الأدلة نوعان: أدلة عقلية أو عيانية أو حسية، وهي ما يشاهده الإنسان ويحسه ويعقله، كالشمس والقمر والليل والنهار والسماوات والأرضين، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:٣٧]، {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[يونس:٣]، {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١]، فهذه كلها شواهد وأدلة على وحدانية الله.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد والنوع الثاني: الآيات القرآنية التي أرشد الله بها العباد، فالله تعالى قد أرشد العباد إلى الأدلة العقلية.
فقالوا: هذا التوحيد العام الذي يصح بالشواهد، وهو الذي ينفي الشرك الأعظم، وهذه الشواهد والأدلة عقلية وشرعية، فهؤلاء الموحدون هم العامة الذين يحتاجون إلى دليل، أما الخاصة فلا يحتاجون إلى أدلة على التوحيد كما سيأتي، ومن العامة عندهم جميع الأنبياء والمرسلين.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه الأنواع الثلاثة، وقال تعليقاً على قولهم:(توحيد العامة): هذا التوحيد الذي يسموه توحيد العامة هو توحيد الأنبياء والمرسلين، وأكمل الناس في هذا التوحيد هم الأنبياء والمرسلون، وأكملهم -أي: الرسل- أولو العزم الخمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وأكملهم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فإنهما قاما بهذا التوحيد بما لم يقم به غيرهما علماً ومعرفة وحالاً ودعوة للخلق وجهاداً، فلا توحيد أكمل من التوحيد الذي جاءت به الرسل ودعت إليه، وإذا كان هذا هو توحيد العامة فهنيئاً للعامة أن يكون توحيدهم توحيد الأنبياء والمرسلين.
ويقول الصوفية: إن هذا التوحيد -توحيد العامة- هو الذي ينفي الشرك الأعظم، وهذا يدل على كماله وشرفه، فقد قامت عليه الشواهد، ونادت عليه الأدلة، وهو ينفي الشرك الأعظم عن الله عز وجل، فيكون العبد مخلصاً لله عز وجل، فلظهور هذا التوحيد ووضوحه وانجلائه وشهادة العقول والفطر له بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، فهو واضح لا لبس فيه، قامت عليه الأدلة، والشواهد والبراهين أثبتته، ونادت عليه، وأوضحته وبينته وقررته، وجاء به الأنبياء والمرسلون، ونفى الشرك الأعظم، وما عداه فإنه لا يقوم على الوضوح والبيان، وإنما يقوم على الرموز والإشارات والتعقيد.