للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كفر الشك]

وهو ألا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بكذبه، بل يشك في أمره، فليس عنده جزم بالصدق ولا بالكذب، بل يشك في أمره، وهذا الشك إنما يكون في أول الأمر، ولا يبقى الشك؛ لأنه إذا تأمل في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته والأدلة التي تدل على الحق وعلى وجوب توحيد الله وإخلاص الدين له فإنها لا بد من أن تدله على الحق واليقين وتوصله إلى الصدق، فهي مستلزمة للصدق بمجموعها، فإن دلالتها على الصدق كالشمس في رابعة النهار.

فالشك يكون في أول الأمر ولا يكتمل؛ لأنه حينما يشك إما أن ينظر في دلائل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وإما ألا ينظر، فإن لم ينظر صار معرضاً والتحق بالقسم السابق، وهو قسم الإعراض، وإن نظر فلا بد من أن يتبين له الحق، وحينئذ يكون له أحوال: فإما أن يؤمن ويصدق فيكون مؤمناً بالله ورسوله، وإما أن يعترف ويصدق بقلبه ويجحد بلسانه، فيكون مكذباً جاحداً، وإما أن يصدق بقلبه ولسانه لكن يستكبر ولا يقبل، فيكون كفره بالإباء والاستكبار.

فالشك يكون في أول الأمر، وبعد ذلك لا بد من أن يكون له موقف آخر، والدليل على هذا النوع من الكفر -وهو كفر الشك والظن- كفر صاحب الجنتين الذي قص الله علينا قصته مع صاحبه في سورة الكهف فقال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:٣٢ - ٣٦]، فهذا الشك شك في الساعة وقيامها، قال تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ} [الكهف:٣٥ - ٣٧]، فأخبر أنه كفر بهذا الشك، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} [الكهف:٣٧ - ٣٩]، ثم أرشده إلى الإيمان فقال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ َتَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا} [الكهف:٣٩ - ٤٣].

ومثال ذلك أيضاً قول الله تعالى: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [فصلت:٤٩ - ٥٠] فهذا شك {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [فصلت:٥٠].

والمقصود بالإنسان في قوله تعالى: {يَسْأَمُ الإِنْسَانُ} [فصلت:٤٩] أي: الكافر، بدليل أنه شك في الساعة.

إذاً: لا يكون هناك إيمان مع الشك، بل لابد من الجزم واليقين، فإذا شك الإنسان أو تردد فليس بمؤمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>