وفي سورة المنافقون جلّى الله تعالى أوصافهم، وبين سبحانه وتعالى أنهم يشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، لكن قلوبهم منكرة ومكذبة وليس عندهم الانقياد، وإن كان عندهم معرفة في القلب، لكن ليس عندهم انقياد ولا محبة ولا نية ولا إخلاص، قال تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:١] أي: الله يشهد أنهم كاذبون بقلوبهم، وإن كانت ألسنتهم مصدقة، كما قال في أول سورة البقرة:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ}[البقرة:٨] يعني: بألسنتهم: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:٨] يعني: بقلوبهم.
ثم قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}[المنافقون:٢] أي: اتخذوا أيمانهم سترة يستترون بها عن القتل {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}[المنافقون:٢ - ٤] أي: إذا رأيت أجسامهم أعجبتك لجمالها ونظرتها، وأن سمعت مقالتهم فإنها خلابة وفيها كلام لين، كأنهم خشب لا ثمر لها، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ}[المنافقون:٤ - ٥]؛ لأنَّه ليس عندهم إيمان، {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}[المنافقون:٥]، ثم قال:{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}[المنافقون:٧]، يقول بعضهم: لا تنفقوا على هؤلاء المؤمنين حتى ينفضوا من حوله ويتركوه، قال الله:{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:٧ - ٨]، وهذه المقالة قالها عبد الله بن أبي، وسمع بذلك ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي، وكان من أصلح عباد الله، وأبوه رئيس المنافقين، واسمه عبد الله، ولا بأس بأن يسمي ابنه باسمه، وبعض الناس يظن أن هذا لا يجوز، وأنه لا يسمى به إلا إذا مات، فـ عبد الله بن عمر سمى ابنه عبد الله وسمى الآخر عبيد الله وهو حي.
فقال: عبد الله بن عبد الله بن أبي لأبيه: والله لا تدخل المدينة حتى تكون أنت الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز.
فهذا استعراض سريع لبعض أوصاف المنافقين التي ذكرها الله في كتابه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذنا وإياكم من صفات المنافقين ومن صفات الكفرة والمشركين والوثنيين، ونعوذ به من أحوال أهل الضلال، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة على دينه، والثبات عليه حتى الممات، إنه على كل شيء قدير.