المذهب السادس: مذهب الأشاعرة: وهو قريب من مذهب الكلابية، وهو مذهب منتشر، فهم يقولون: إن الكلام معنى واحد قائم بنفس الرب، ليس بحرف ولا صوت، فوافقوا الكلابية، ثم قالوا: لا ينقسم هذا المعنى ولا يتبعض ولا يتعدد ولا يتكثر ولا يتجزأ، ولا ينقسم بنوع ولا جزء، والحروف والأصوات عبارة تدل عليه.
والكلابية يقولون: إنه حكاية، وهؤلاء يقولون: إنه عبارة تدل عليه، فالقرآن الذي في المصحف يقول الأشاعرة عنه: هذا عبارة عن كلام الله عبر به جبريل أو محمد، أما كلام الله فهو معنى في نفسه لا يسمع؛ لأنه لازم لذات الرب، ولكن يسمى ما في المصحف كلام الله لأن كلام الله تأدى به، فيسمى كلاماً مجازاً، فالأشاعرة يقولون: القرآن كلام الله، لكن عند المناظرة يقولون: مقصودنا أنه مجاز وليس بحقيقة، لكن سميناه كلام الله لأن كلام الله تأدى به، ولأنه دل على كلام الله، وإلا فكلام الله في نفسه.
هذا مذهب الأشاعرة في الكلام، وهو صفة من الصفات السبع التي أثبتوها الكلام، فمن الصفات السبع التي أثبتها الأشاعرة الكلام، ومع ذلك يقولون: كلام الله معنىً واحد لا يتبعض ولا يتعدد ولا يتجزأ ولا ييتكثر، ولا نقول: إنه أربعة أنواع كما تقول الكلابية: أمر ونهي وخبر واستفهام، بل هو معنى واحد لا ينقسم ولا يتبعض ولا يتجزأ ولا تكثر، والتقسيم إنما هو في العبارات والدلالات، فهو معنى واحد، إن عبرت عنه بالعربية فهو القرآن، وإن عبرت عنه بالعبرانية فهو التوراة، والعبرانية لغة اليهود، وإن عبرت عنه بالسريانية فهو الإنجيل، والسريانية لغة النصارى، فهو واحد والتقسيم في العبارات على حسب العبارة.
وكونه ينقسم إلى أمر، ونهي، وخبر، واستفهام قالوا عنه: هذه صفات إضافية لذلك المعنى، وهو معنى واحد، فهذا المعنى صفته أنه يكون أمراً ويكون نهياً ويكون خبراً، كما يكون الشخص له صفات متعددة، فأنت واحد ولك صفات متعددة، فأنت إذا نسبت إلى أبيك فأنت ابن، وإذا نسبت إلى ابنك فأنت أب، وإذا نسبت إلى ابن أخيك فأنت عم، وإذا نسبت إلى ابن أختك فأنت خال، وأنت واحد: خال وعم وابن وأب، على حسب الإضافة والنسبة، فكذلك المعنى والقرآن، فكلام الله معنى واحد، وكونه أمراً ونهياً وخبراً واستفهاماً هذه صفات إضافية، وكونه توراة وإنجيلاً وقرآناً إنما هو تقسيم للعبارات التي تدل عليه.
هذا هو مذهب الأشاعرة، وهو مذهب كثير من الأحناف، ومذهب كثير من أتباع الأئمة الأربعة من الحنابلة والشافعية والمالكية وغيرهم.
وهذا المذهب أقرب المذاهب إلى أهل السنة، لكنه مذهب الأشاعرة، فهم يقولون: إن القرآن الموجود في المصاحف عبارة عن كلام الله عبر به جبريل أو عبر به محمد صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: إن الله تعالى اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر عنه، ومنهم من يقول: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ ولم يتكلم الله به، وهذا مذهب منتشر ملأ الأرض.
ومذهب الكلابية والأشاعرة مبني على أن الكلام لابد من أن يقوم بالمتكلم، وعلى أن الرب ليس محلاً للحوادث، قالوا: فلو قلنا: إن الحروف والأصوات من كلام الله للزم من ذلك أن يكون الله محلاً للحوادث، والرب ليس محلاً للحوادث، فالحروف والأصوات حادثة تحدث، وكلما تكلم الإنسان بالحرف والصوت حدث الكلام، فيلزم من ذلك حدوث الحوادث في ذات الرب، والرب منزه عن حلول الحوادث، ففروا من ذلك فقالوا: الحروف والأصوات ليست من الكلام.