استدل أهل الحق على أن الله فوق العرش بالفطرة السليمة، فقالوا: إن الخلق جميعاً بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء إلى السماء، ويتوجهون عند التضرع إلى الله تعالى، وهذا شيء يجدونه في نفوسهم من غير أن يتلقوه من المرسلين، بل يجدون طلباً ضرورياً يتوجه إلى الله ويطلبه في العلو، فالجارية الأعجمية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم:(أين الله؟ قالت: في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) أخبرت عن الفطرة التي فطرها الله عليها، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وشهد لها بالإيمان.
ولما كان أبو المعالي الجويني -وهو معروف ومن الأشاعرة- يقرر في درس له أن الله ليس فوق العرش وليس فوق السماوات، وجعل يأتي بالشبه التي فيها أن الله ليس فوق العرش، بل هو في كل مكان، قام أحد التلاميذ وقال: يا أستاذ! دعنا من هذا الكلام، أخبرنا عن هذه الضرورة التي يجدها الإنسان في نفسه، ما قال قائل قط: يا ألله إلا اتجه إلى العلو، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا؟ فلطم الشيخ نفسه وجعل يقول: حيرني الهمذاني، حيرني الهمذاني، حيرني الهمذاني.
فتحير ولم يستطع أن يرد عليه، وهذا هو الدليل الفطري.