وقد اعترض النفاة على الدليل الفطري باعتراضين: الاعتراض الأول: قالوا: إن رفع اليدين عند الدعاء إلى السماء ليس لأن الله في السماء؛ بل لأن السماء قبلة للدعاء كما أن الكعبة قبلة للصلاة.
وبعضهم يقول: إن الإنسان يرفع يديه في الدعاء لأن المطر ينزل من فوق، ولأن الأنوار تأتي من فوق، ولأن الملائكة تنزل من فوق.
وأجاب أهل الحق على هذا القول بأجوبة: الجواب الأول: أن ادعاءكم أن السماء قبلة للدعاء ادعاء باطل لم يرد به كتاب ولا سنة ولا قاله أحد من سلف الأمة وعلمائها، وهذا من الأمور الشرعية، فكيف يخفى على سلف الأمة وأئمتها؟! الجواب الثاني: أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى القبلة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن ادعى أن السماء قبلة للدعاء أو أن هناك قبلتين: قبلة للدعاء، وقبلة للصلاة، فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين.
الجواب الثالث: أن القبلة هي ما يستقبله العبد بوجه لا ما يستقبله بيديه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة ويتوجه إلى القبلة في مواقف كثيرة، في الدعاء وفي الذكر وفي الذبح، فقبلة الدعاء هي قبلة الصلاة.
رابعاً: لو كانت السماء قبلة للدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، وهذا لم يشرع.
الجواب الخامس: أن أمر القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأمر الدعاء إلى الجهة العلوية مركوز في الفطر لا يقبل النسخ ولا التحويل.
سادساً: أن المستقبل إلى الكعبة يعلم أن الله ليس هناك، بخلاف المتوجه إلى السماء، فإنه يعلم أن الله هناك، فهو يرجوه ويتضرع إليه ويرجو أن تنزل الرحمة من عنده.
وبهذا يبطل الاعتراض الأول.
الاعتراض الثاني: اعترضوا على الدليل الفطري فقالوا: إن دليلكم منقوض بوضع المصلي جبهته على الأرض، والله ليس في جهة الأرض، فهل معنى ذلك أن الله في الأرض؟! فكذلك إذا رفع يديه في الدعاء فلا يدل ذلك على أن الله في السماء.
وأجيب على هذا الاعتراض بأن وضع المصلي جبهته على الأرض إنما قصده الخضوع لمن فوقه، والذل والخشوع له، وليس قصده بأن يميل إليه لأنه تحته، فهذا لا يخطر في قلب إنسان إلا من انتكست فطرته وعميت بصيرته، كـ بشر المريسي، فقد سُمع وهو يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل، قبحه الله وأخزاه.