سبق ذكر أن الذي ينسب إلى الله خلق الخير والشر مصيب؛ لأن الخلق مبني على الحكمة، والله تعالى خلق الكفر والمعاصي لحكم ومصالح تترتب عليها، منها: ظهور قدرة الله على خلق المتضادات، فالكفر يقابل الإيمان، والمعصية تقابل الطاعة.
ومنها: حصول وترتب العبوديات المتنوعة على حصول الكفر والمعاصي، مثل عبودية الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والصبر، والولاء والبراء، والتوبة، فقد يوفق للتوبة فتكون حاله بعدها أحسن من قبل إحداثه التوبة، والمعصية شر بالنسبة إلى العبد الذي باشرها وكسبها، أما الله الذي خلقها فليست شراً بالنسبة إليه، والمعتزلة يقولون: إن العبد هو الذي يهدي نفسه أو يضلها، ويقولون: معنى: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[فاطر:٨] أي: يسميه مهتدياً، وإلا فالعبد هو الذي يهدي نفسه أو يضلها.
وقالوا: إن الله سبحانه وتعالى ما أعان المؤمن ولا وفقه ولا سدده ولا هداه! بل المؤمن هو الذي هدى نفسه، والكافر هو الذي خذل نفسه وأضلها، وهم في هذا يشبهون الله بخلقه، فيقولون: كرجل له ابنان أعطاهما سيفين وقال لهما: جاهدا بهذين السيفين في سبيل الله، فأما أحدهما فقاتل به في سبيل الله، وأما الآخر فاستعرض رقاب المسلمين وقطعها، فكل منهما اختار طريقاً مبايناً لصاحبه، فأحدهما قاتل المسلمين بسيفه والآخر قاتل الكفار بسيفه، فكذلك الله ترك الناس هكذا، فمنهم من يختار الإيمان ومنهم من يختار الكفر، فما وفق هذا ولا خذل هذا.
وهذا هو فهم المعتزلة معطلة الصفات مشبهة الأفعال، وقالوا: ما يحسن من العبد يحسن من الله، وما يقبح من العبد يقبح من الله، وكل ما كان حسناً من العبد فهو حسن من الله لو فعله، وكل ما كان قبيحاً من العبد فهو قبيح من الله إذا فعله، وما كان ظلماً من العبد فهو ظلم من الله لو فعله، هذا هو التشبيه، فهم مشبهة في الأفعال ومعطلة في الصفات.