ولو سأل سائل: أي الطائفتين أشد كفراً؟ نقول: الطائفة الثانية عند العلماء -وهم الذين نفوا وسلبوا عن الله النقيضين- أشد كفراً من الطائفة الأولى، أي: طائفة الحلولية؛ لأن الحلولية أثبتوا شيئاً حالاً في شيء، لكن طائفة النفاة أو الذين يسلبون النقيضين عن الله لم يثبتوا شيئاً، وقد اختلف العلماء في تكفير الجهمية، فهل هم كفار أو ليسوا بكفار؟ فمن العلماء من أخرجهم من الثنتين والسبعين فرقة من فرق أمة الإسلام، فقال: إنهم كفار، وليسوا داخلين في فرق الأمة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة).
فقال بعض العلماء: الجهمية خارجون عن فرق الأمة، فهم كفار، وذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أنه قد كفرهم خمسمائة عالم، فقال في نونيته: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان وهناك نصوص كثيرة لعلماء الأمة في تكفير الجهمية نقلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كثير من كتبه، ونقلها غيره، ومن ذلك قول عبد الله بن المبارك رحمه الله الإمام المعروف: إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نحكي قول الجهمية.
يعني: نستطيع أن نحكي قول اليهود، ولكن لا نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية؛ لخبثها وشرها وشناعتها وبشاعتها وإيغالها في الكفر.
ومن العلماء من قال: إنهم مبتدعة.
ومن العلماء من فرق بين الغلاة وبين العامة، فقال: الغلاة كفار، وعامتهم مبتدعة.
وعلى كل حال فإن من قال بقول الجهمية وهو يعلم ذلك، وليس عنده شبهة، وليس جاهلاً؛ فلا شك في كفره، كالمعاند والمتعنت، ورؤسائهم الذين يعلمون ذلك، فهؤلاء لا شك في كفرهم، أما من كان جاهلاً، أو تابعاً لغيره، فهذا هو محل النظر.