النوع الثاني من أنواع الشرك في العبادة والألوهية: الشرك في الخوف، وهو: أن يخاف العبد من غير الله تعالى أن يصيبه بمكروه بمشيئته وقدرته، فهذا شرك أكبر؛ لأنه اعتقاد للضر والنفع في غير الله، قال الله تعالى:{فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}[المائدة:٤٤]، وقال:{فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[النحل:٥١]، وقال:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٧٥]، والمراد بالخوف خوف العبادة، وهو الخوف الذي يكون معه تعظيم وإجلال وخشية ورجاء للمخوف، هذا هو خوف العبادة، وهو المسمى بخوف السر، وهو الخوف الذي يكون فيما وراء الأسباب، كأن يخاف منه أن يقطع رزقه بسره لا بسبب ظاهر، أو يمرضه، أو يسلط عليه عدواً، أو يحرمه من دخول الجنة، أو يدخله النار، ويكون مع خوفه إجلال وتعظيم وخشية ورجاء له، فهذا الخوف الذي يكون فيما وراء الأسباب، فهو لا يخاف لأن أمامه سبب، بل يخاف لأنه يعتقد أن هناك سر يستطيع به أن يغفر ذنبه، أو يسلط عليه عدوه، أو يقطع رزقه، أو يميت ولده، أو يحرمه دخول الجنة، فهذا شرك أكبر.
أما إذا خاف من شيء أسبابه ظاهرة فهذا لا يكون خوف عبادة، كأن يخاف من السباع فيبتعد عنها، أو من الحيات والعقارب، أو من عدو كسلطان ظالم، فهذا أسبابه ظاهرة، وهذا لا يكون شركاً، بل هو خوف طبيعي، قال الله تعالى عن موسى عليه السلام:{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص:١٨] أي: خائفاً من فرعون، وهذا سببه ظاهر، فهو ملك ظالم كافر جبار، فيخشى أن يبطش به، ولهذا قال تعالى:{َجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص:٢٠ - ٢١]، فهل هذا شرك؟! لا، بل هذا خوف طبيعي؛ لأن أسبابه ظاهرة أمامه، لكن الشرك أن تخاف من ميت، أو تعتقد أن الولي يمكن أن يقطع رزقك، أو يحرمك من دخول الجنة، أو لا يغفر ذنبك، أو يسلط عليك عدوك.
ولهذا كان لابد من الخوف في عبادة الله مع المحبة والإجلال والتعظيم، فمن أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، ومن خضع لشيء ولم يحبه لم يكن عابداً له، فلهذا لا يكون المرء عبداً لله حتى يكون الله أحب إليه من كل شيء، وأعظم عنده من كل شيء، فمن أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، ومن خضع لشيء ولم يحبه لم يكن عابداً له، كالعدو تخضع له لكن لا تحبه.