يقال للمعتزلة: يلزمكم أحد أمرين إذا قلتم: إن العبد هو الذي يخلق الكفر والمعاصي لنفسه، والله تعالى يراه ويقره على ذلك، يلزم من هذا أن الله أقره على القبيح واستحسنه منه، أو أنه عاجز عن منعه عنه، وكلا الأمرين باطل؛ لأن الإنسان من بني آدم إذا كان له إماء وعبيد ثم رأى العبيد تزني بالإماء فهل يسكت، أم ماذا يكون حاله؟! وإذا سكت حين يرى الذكور من عبيده تزني بالإناث من إمائه فإنه يلزم من سكوته أحد الأمرين: إما أن يكون عاجزاً عن منع هؤلاء الذكور عن هذه الإناث، أو يكون مستحسناً للقبيح راضياً به، ولله المثل الأعلى.
فكذلك هؤلاء المعتزلة يقولون: إن العبد هو الذي يخلق المعصية والكفر بنفسه، يلزم من كلامهم أن الله عاجز عن منع ما لا يريده أو أنه استحسن القبيح! تعالى الله عما يقول للظالمون علواً كبيراً.
والمعتزلة يقولون: إن الأصل الأول والثاني أصلان عقليان، أي: عرفا بالعقل قبل الشرع، بل هما اللذان دلا على الشرع، والذي دل عليهما هو العقل قبل أن يوجد الشرع، ثم جاء الشرع موافقاً للعقل في إثبات هذين الأصلين، وهما: التوحيد والعدل.
فالمعتزلة يعتمدون على العقل أولاً، ثم جاء الشرع -الكتاب والسنة- موافقاً للعقل فأقر هذين الأصل، فمثل الشرع حينما جاء وأقر هذين الأصلين كالشاهدين الزائدين الذين قد يستغنى عنهما، فالقاضي إن طلب من أحد المتخاصمين شهوداً، فأتى بأربعة يقول له القاضي: تثبت الدعوة باثنين، واثنان احتياط، فكذلك الكتاب والسنة هما احتياط عند المعتزلة بالنسبة للتوحيد والعدل، ومثل الكتاب والسنة بالنسبة للتوحيد والعدل عند المعتزلة مثل المدد اللاحق بجيش والجيش مستغن عنه، فالتوحيد والعقل لا حاجة معهما إلى الشرع، ويكون مثل الشرع عند المعتزلة حينما جاء ووافق العقل في إثبات التوحيد والعدل مثل من يتبع هواه فصادف أن الشرع ما يهواه، فهو يتعبد على هواه ثم جاء الشرع مقراً له على ذلك، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
والعمل تابع للنية والقصد، والنية الصالحة لا تكون إلا عن علم وإيمان وتصديق بالله ورسوله، فإذا عمل الإنسان عملاً بغير نية فهو باطل مردود عليه، كما أن الإنسان الذي يتعبد الله على وفق هواه عمله باطل مردود ولو وافق الشرع؛ لأنه على غير نية وإخلاص، وكذلك إذا ترك ما يتركه مما نهى عنه الشرع إذا كان هذا الترك عن غير نية وقصد وعن غير إيمان بالله ورسوله، فلا يثاب عليه.