فقال لهم أهل السنة والجماعة: لنا جوابان عن هذا: الجواب الأول: جواب بالمنع، والجواب الثاني: جواب بالتسليم.
فالجواب الأول -جواب المنع- نقول: نمنع أن يكون العقل قد دل على الصفات السبع ولم يدل على ما سواها، بل إن العقل يدل على الصفات السبع ويدل على بقية الصفات أيضاً، ونحن نثبت لكم أن العقل يدل على بقية الصفات كما دل على الصفات السبع، فمثلاً: نفع العباد بالإحسان إليهم يدل على الرحمة، فإذا كان الله تعالى ينفع عباده، ويحسن إليهم، فهذا يدل على الرحمة، فثبتت بذلك صفة الرحمة، وإكرام الله للطائعين ونصره لهم في الدنيا على أعدائهم يدل على المحبة، فثبتت لنا المحبة، وعقاب الله للكافرين وتسليطه المؤمنين عليهم يدل على البغض، وعقوبته لهم في الدنيا والآخرة يدل على البغض، فثبتت بذلك صفة البغض، والغايات المحمودة في مفعولات الله ومأموراته تدل على الحكمة البالغة، فحينما أوجب القصاص، وقطع يد السارق، وجلد الزاني، فهذه أراء محمودة تؤدي إلى الزجر عن المعاصي، فالغايات المحمودة في مأمورات الله الشرعية وفي مفعولاته تدل على حكمته البالغة، فثبتت الحكمة بالأصل، إذاًً فثبتت الرحمة والمحبة والحكمة بالعقل.
فنقول لهم: فلماذا لم تثبتوها -مع أن العقل قد أثبتها- كما أثبتم الصفات السبع؟! فهذا منكم تفريق بين متماثلين، وهو مكابرة منكم.
والجواب الثاني -وهو الجواب بالتسليم- أن يقال لهم: سلمنا تنازلاً مع الخصم أن العقل يدل على الصفات السبع ولا يدل على ما عداها، لكنه لا ينفي ذلك، وكون العقل لا ينفيها لا يدل على أنها ليست ثابتة في نفس الوقت، بل أثبت سبعاً وسكت عن الباقي، وإذا سكت عنها فليس معناه أنه ينفيها، بل قد دل دليل آخر عليها بأنها ثابتة، فالأدلة متعددة وليست محصورة في العقل، فإذا كان العقل لا يثبتها فهو لا ينفيها، وكونه لا ينفيها لا يدل على أنها ليست ثابتة في نفس الأمر؛ لجواز أن تكون ثابتة بدليل آخر، وهو الواقع هنا، فالعقل لم يثبتها لكن أثبتها الشرع، والشرع دليل مستقل بنفسه، كما أن العقل دليل مستقل، والطمأنينة إلى الشرع في باب الاعتقاد أقوى من الطمأنينة إلى العقل، فإذا كان الدليل العقلي يثبت الصفات السبع والدليل الشرعي يثبت بعض الصفات، وهذا دليل وهذا دليل، وكلاهما دليل معترف به، والطمأنينة إلى الدليل الشرعي في باب الاعتقاد أقوى من الطمأنينة إلى العقل؛ فما الذي سوغ لكم نفي مدلول الدليل الشرعي مع أنه دليل ومعترف به؟! فإثباتكم للصفات السبع بالعقل ونفيكم لما عداها -مع أن بقية الصفات قد دل عليها دليل آخر مماثل للعقل- مكابرة منكم.
وبهذا يبطل ما ذهب إليه الأشاعرة من التفريق بين الصفات من إثبات بعضها ونفي بعضها، ويتبين من هذا أن الأشاعرة متناقضون، فهم يفرقون بين الصفات مع أن الباب واحد، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.
ولهذا تسلط عليهم المعتزلة، فقالوا لهم: مذهبكم هذا غير معقول وغير متصور، بل أنتم مذبذبون، فكيف تثبتون بعض الصفات وتنفون البعض؟! فإما أن تثبتوا الجميع فتكونوا أعداء لنا كأهل السنة، أو تنفوا الجميع فتكونوا إخواناً لنا من جميع الوجوه.
فليس لكم إلا واحد من أمرين: أن تنفوا السبع الصفات فتكونوا معتزلة مثلنا، أو تثبتوا بقية الصفات فتكونوا مشبهة مجسمة -لأنهم يسمون أهل السنة مشبهة ومجسمة- أما أن تبقوا مذبذبين فهذا لا يصح؛ لأنه تناقض.