للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرك الاستعانة والاستغاثة]

الشرك في الاستعانة هو: أن يستعين بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يستعين بميت، أو غائب، أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يقول للميت: أعني على قضاء ديني، أو ينادي غائباً أن يعينه، أو يستعين بأسماء الملائكة، أو أسماء الجن، أو الأنبياء.

والاستعانة لا تكون إلا بالله، قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]، فمن استعان بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد وقع في الشرك، أما من استعان بحي حاضر قادر فلا بأس بذلك؛ لأن المراد بالاستعانة الممنوعة بالمخلوق: الاستعانة التي تكون فيما وراء الأسباب، أما إذا استعان بحي حاضر قادر معه أسباب ظاهرة فلا يكون ذلك شركاً، بل هذا جائز مباح، كأن يقول: يا فلان! أعني على إصلاح سيارتي، أعني على إصلاح مزرعتي، ساعدني على إنكار المنكر، ساعدني على الدعوة إلى الله، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢].

أما الشرك في الاستغاثة فهو: أن يستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يستغيث بميت أو غائب، أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو يستغيث بأسماء الملائكة، أو بأسماء الجن، أو بأسماء الأنبياء، أو يستغيث الغريق بالميت أن ينقذه فيقول: يا فلان! أغثني.

يا سيدي البدوي! أغثني، أنقذني من الغرق! أو يا عبد القادر الجيلاني! أنقذني من الغرق، أو: أنفذني من الحريق! وهكذا.

والاستغاثة لا تكون إلا بالله، قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:٩]، فإذا استغاث بميت، أو غائب، أوحي حاضرٍ فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد وقع في الشرك، والمراد بالاستغاثة الممنوعة الاستغاثة فيما وراء الأسباب، أما من استغاث بحي حاضر قادر معه أسباب ظاهرة فلا يكون ذلك شركاً، بل هذا جائز.

ومثال ذلك: أن يستغيث غريق برجل أمامه يعرف السباحة، فيقول: يا فلان! أغثني.

فهذا لا بأس به، أو استغاثة مَنْ وقع في كربة كحريق، فيستغيث بمن يستطيع إنقاذه، فهذا لا بأس به، قال الله تعالى في شأن موسى عليه الصلاة والسلام لما خرج فوجد قبطياً وإسرائيلياً يقتتلان، وكان الإسرائيلي من شيعة موسى، والقبطي من عدوه، قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:١٥]، استغاث الإسرائيلي بموسى، فأغاثه موسى {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:١٥]، فهذه استغاثة بحي حاضر قادر معه أسباب ظاهرة.

والفرق بين الاستعانة والاستغاثة والدعاء من حيث العموم والخصوص: أن الدعاء والاستعانة أعم، والاستغاثة أخص؛ لأن الاستغاثة دعاء خاص لا تكون إلا ممن وقع في كربة أو شدة، فإذا دعا من هو في كربة أو شدة يقال لفعله: استغاثة، كالغريق إذا دعا من ينقذه من الغرق.

أما الدعاء فإنه يكون ممن هو في كربة ومن غيره، وكذلك الاستعانة أعم، فهي تشمل الداعي في كربة وفي غيرها، فالدعاء والاستعانة كل منهما أعم من الاستغاثة، فالاستغاثة نوع من الدعاء، لكنها تكون من المكروب، والدعاء من المكروب يسمى استغاثة، والدعاء من غير المكروب يسمى دعاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>