للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استلزام إثبات العلو للجهة]

إن نفاة العلو الذين نفوا أن الله فوق العرش وفوق السماوات ليس لهم أدلة من الكتاب ولا من السنة، وإنما لهم شبه عقلية، وبيانها على النحو الآتي: الشبهة الأولى: أنه يلزم من إثبات أن الله فوق العرش وفوق السماوات أن يكون الله في جهة، ويلزم أن يكون محتاجاً إلى الجهة، ويلزم أن يكون جسماً، ويلزم أن يكون محدوداً ومتحيزاً.

وأجاب أهل الحق عن هذه الشبهة بجوابين: جواب مجمل وجواب مفصل.

الجواب المجمل أن نقول: إن أردتم بالجهة الجهة الوجودية التي هي خلق من المخلوقات، بمعنى أنها تحويه وتحصره وتحيط به إحاطة الظرف بالمظروف فهذا باطل، فالله أعلى من ذلك وأجل؛ لأنه سبحانه لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات، وإن أردتم بالجهة ما وراء العالم فالله فوق العالم بعد أن تنتهي المخلوقات، هذا هو الجواب المجمل.

والجواب التفصيلي من وجوه: الوجه الأول: أن نقول: قولكم: إنه يلزم من إثبات العلو الجهة إن أردتم بالجهة جهة وجودية كالعرش وأن الله داخل السماء فهذا باطل، فليس الله داخل العرش ولا داخل السماء، بل هو بائن من خلقه لم يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، فهو سبحانه وتعالى بائن من خلقه منفصل عنهم.

الثاني: إن أردتم بالجهة السماء وأن المراد بكونه في السماء، أي: على السماء؛ فهذا حق، وحينئذ لا يكون هناك جهة وجودية حتى يقال: إنه محتاج إليها أو غير محتاج إليها.

الثالث: إن أردتم بالجهة ما فوق العالم، فهذه جهة عدمية، وما وراء العالم نهاية المخلوقات، فالمخلوقات سقفها عرش الرحمن، والله فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات، وليس فوق العرش جهات وجودية.

الرابع: أنه لا يلزم من كون الله فوق العرش أن يكون محتاجاً إلى العرش، أو إلى شيء غيره، ولا يلزم من كون الشيء فوق الشيء أن يكون محتاجاً إليه، فالله تعالى جعل هذه المخلوقات بعضها فوق بعض ولم يجعل العالي محتاجاً إلى السافل، فالهواء فوق الأرض وليس الهواء محتاجاً إلى الأرض، والسحاب فوق الهواء وفوق الأرض وليس محتاجاً إلى الهواء ولا إلى الأرض، والسماء فوق السحاب وفوق الهواء وفوق الأرض وليست السماء محتاجة إليها، والسماء الثانية فوق السماء الأولى وليست محتاجة إليها، إلى السماء السابعة، والكرسي فوقها وليس محتاجاً إليها، والعرش فوق الكرسي والسماوات وليس محتاجاً إلى الكرسي ولا إلى السماوات، فإذا كانت المخلوقات بعضها فوق بعض ولا يكون العالي محتاجاً إلى السافل، فكيف يقال: إن الله إذا كان فوق العرش يكون محتاجاً إلى العرش؟! تعالى الله عن هذا، فالله فوق العرش ولا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته.

فهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته سبحانه وتعالى، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر:٤١].

الخامس: قولكم: إنكم تثبتون الجهة والحيز والحد والعرض والجسم، نقول: كل هذه ألفاظ اصطلاحية فيها إجمال وإيهام وإبهام، فالمعارضة بها ليست معارضة بدلالة شرعية؛ لأن هذه الألفاظ لم ترد في الكتاب ولا في السنة، ولا قالها أحد من السلف، فلا يجوز إثباتها ولا نفيها.

وقد وقف علماء الإسلام من أهل الكلام موقفاً واضحاً، وأنكروا عليهم إطلاق هذه الألفاظ وبدعوهم، وقال فيهم الإمام الشافعي رحمة الله عليه: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في القبائل والعشائر ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام.

وصح عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق ابن خزيمة رحمه الله أنه قال: من لم يؤمن بأن الله فوق سماواته على عرشه وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه وطرح على مزبلة.

أي: قمامة.

وفي لفظ: حتى لا يتأذى به أهل السنة ولا أهل الذمة.

فهذا يدل على أنه ارتد، وكفره أعظم من كفر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى كفرهم أخف، لذلك يجوز بقاؤهم مع دفع الجزية، وتحل نساؤهم وذبائحهم، أما هذا فهو وثني مرتد لا تحل ذبيحته، فليس له إلا الإسلام أو السيف، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>