الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن العقيدة الطحاوية منسوبة إلى الإمام أبي جعفر الطحاوي، وهو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحنفي، حنفي المذهب، سلفي المعتقد، وقد كتب هذه العقيدة في علم أصول الدين.
والطحاوي منسوب إلى بلدة في مصر تسمى طحا، وسميت هذه العقيدة بالعقيدة الطحاوية لأن الذي كتبها هو هذا العالم من هذه البلدة بمصر، وهو من علماء القرن الثالث الهجري، وولادته كانت في سنة ٢٣٦هـ، وقيل: في سنة ٢٣٧هـ، وذكر الشارح ابن أبي العز أن ولادته كانت سنة ٢٣٦هـ، ووفاته كانت سنة ٣٢١هـ.
وهذه العقيدة مختصر في أصول الدين، وقد شرحها جماعة من العلماء يبلغون السبعة، ولكن أغلبهم مشوا في شرحهم لهذه العقيدة على معتقد أهل الكلام في كثير من المسائل، كما أشار إلى ذلك علي بن علي بن أبي العز، ثم وفق الله علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي فشرحها على معتقد أهل السنة والجماعة، وقد أشار رحمه الله في مقدمة شرحه إلى أن الحامل له على شرحها هو أن كثيراً من الشروح التي سبقته لا تتفق مع معتقد أهل السنة والجماعة، فأحب أن يشرحها على معتقد أهل السنة والجماعة، والشارح -أيضاً- حنفي، وهو علي بن علي بن محمد بن أبي العز الأذرعي الدمشقي الحنفي، المولود سنة ٧٣١هـ، والمتوفى سنة ٧٩٢هـ، من علماء القرن الثامن الهجري، وهو من تلاميذ الحافظ ابن كثير صاحب التفسير رحمه الله.
فالشارح حنفي والمؤلف حنفي بالنسبة للفروع، وأما في أصول الدين فهما على معتقد أهل السنة والجماعة، والشارح -رحمه الله- قرأ كثيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- والعلامة ابن القيم فتأثر بهما كثيراً، ونقل كثيراً من كتبهما وكثيراً من كلامهما، وفرَّقه في شرح هذه العقيدة، ولكنه لا يعزو، ويحتمل أن يكون سبب عدم عزوه -والله أعلم- أنه في ذلك الوقت كان هناك كثير من الناس ينفرون من بعض أهل السنة والجماعة كـ شيخ الإسلام وابن القيم، فأحب أن ينقل كلامهما وأن يفرقه في شرح هذه العقيدة من غير أن يعزو.
والعقيدة الطحاوية التي كتبها صاحب المتن تتفق مع معتقد أهل السنة والجماعة كما سبق، ولكن هناك بعض الإطلاقات التي قد يظن بعض الناس أنه يوافق أهل الكلام فيها، وقد نبه على ذلك الشارح رحمه الله، وبين أن الطحاوي سلفي المعتقد، وأنه لا يريد ما يريده أهل البدع، فلما وجدت عنده مثل هذه الإطلاقات شرحها بعض الشراح على ما يوافق معتقد أهل الكلام، وشرحها علي بن علي بن محمد بن أبي العز على معتقد أهل السنة والجماعة، وناقش في بعض الإطلاقات، وستمر بنا إن شاء الله تعالى.
والطريقة التي سوف نمشي عليها -إن شاء الله- هي أننا نشرح ثم نقرأ في شرح الطحاوية، وهو الشرح المتداول المعروف لـ علي بن علي بن أبي العز الحنفي المعروف بشرح الطحاوية؛ لأن الشرح فيه علم كثير عزيز، وبحوث قيمة، ولابد من أن يرتبط طالب العلم بكتب أهل العلم، وكلام أهل العلم، ولا يكون بعيداً عنها، وإلقاء الدروس والمحاضرات من غير ربط لها بالكتب ذو فائدة محدودة، والعلماء الأوائل ومشايخنا الكبار وغيرهم كان طلبهم للعلم مرتبطاً بالكتب والمشايخ، فلابد من الأمرين: الأخذ من أفواه العلماء، ومراجعة الكتب والارتباط بها، وعدم الانفصال عنها، أما الكلمات التي تلقى من غير ربط بالكتاب فإن فائدتها محدودة، وقد يحصل ضرر من انعزال طالب العلم عن الكتب، وهو أنه إذا لم يتمرس ولم يتمرن على قراءة كتب العلماء السابقين، فإنه إذا أراد أن يقرأ كتاباً منها لا يستفيد منه، ولا يعرف عبارات ومقاصد العلماء، فربط طالب العلم بالكتاب مهم جداً.
وهذه العقيدة الطحاوية وشرحها لم يزل العلماء قديماً وحديثاً يستفيدون منه، ويدرسونها في المساجد والمدارس والجامعات، ونفع الله بهذه العقيدة وبهذا الشرح كثيراً، ولعل من أسباب ذلك حسن النية من مؤلفها وشارحها، غفر الله لهما، وأسكنهما فسيح جناته.