[نواقض الإسلام]
ونواقض الإسلام كثيرة، منها عشرة ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، وهي: الأول: الشرك بالله، فمن فعل أي نوع من أنواع الشرك التي سبقت أمثلتها فقد انتقض دينه وإسلامه.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم قضاء الحاجات أو الشفاعة أو يتوكل عليهم كَفَر إجماعاً.
الثالث: من شك في كفر المشركين أو اليهود أو النصارى أو الوثنيين أو لم يكفرهم، أو صحح مذهبهم، فهو كافر بالله.
أي: لو قال مثلاً: اليهود والنصارى وغيرهم لا أقول فيهم شيئاً، فهذه كلها أديان لا أحكم فيهم بشيء، فأنا أعبد الله ولا أقول فيهم شيئاً! فهذا يكفر؛ إذ لابد من أن يحكم عليهم بالكفر، فمن لم يكفر اليهود أو النصارى أو المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
الرابع: من اعتقد أن هناك هدياً أكمل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر.
فلو قال: هدي فلان من الناس -ولو كان من الصحابة أو من التابعين- أفضل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يكفر.
الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمه ومعرفته في الشريعة فإنه يكفر، قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:٩].
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، وكذلك إذا استهزأ بشيء من دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله، قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].
السابع: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين بالرأي أو بالسلاح أو بالمال.
فإذا ساعد الكفار على المسلمين أو عاونهم على المسلمين بالمال أو بالسلاح أو بالرأي كفر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١].
الثامن: من اعتقد أن هناك أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى كفر.
فمن اعتقد أن هناك أحداً يجوز له أن يخرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن الخضر جاز له الخروج عن شريعة موسى فهذا يكفر؛ لأن شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عامة للثقلين: الجن والإنس، وهو آخر الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)، أما شريعة موسى عليه الصلاة والسلام فليست عامة، فلذلك وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، ثم إن الخضر -على الصحيح- هو نبي أوحي إليه، بدليل أنه فعل أموراً لا يمكن فعلها إلا عن طريق الوحي، حيث خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، ثم قال بعد ذلك: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:٨٢] ففعله عن أمر الله، فهو نبي يوحى إليه، وقال كثير من العلماء: ليس بنبي، وإنما هو رجل صالح.
وعلى كل حال فإنه -ولو كان رجلاً صالحاً- ليس من بني إسرائيل، ولم يرسل إليه موسى عليه الصلاة والسلام، فوسعه الخروج عن شريعة موسى، أما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فلا يسع أحداً الخروج عن شريعته؛ لأنه آخر الأنبياء، وشريعته عامة لجميع الثقلين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ:٢٨]، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:١]، وقال: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء:٧٩].
فمن خصائص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم العموم والشمول لكل أحد، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح لما ذكر خصائصه: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة).
التاسع: السحر، فمن تعلمه أو علمه أو رضي به كفر، ومن ذلك الصرف والعطف، فهو داخل في السحر، قال الله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢]، أي: فلا تكفر بتعلم السحر.
العاشر: الإعراض عن دين الله، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف:٣]، وقال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة:٢٢].
ونواقض الإسلام كثيرة، وليست محصورة في هذه العشر، فمن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام فإنه يكفر، سواء أكان عملاً أم اعتقاداً أم قولاً أم شكاً، فقد يكون الكفر بالقول، وقد يكون بالفعل، وقد يكون بالاعتقاد، وقد يكون بالشك.
فيكون الكفر بالقول إذا تكلم بكلمة الكفر، كأن سب الله، أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام، أو سب الإسلام، أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله، ومن ذلك ما قص الله علينا في كتابه في وصف بعض المنافقين: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة:٧٤]، فأثبت لهم كفراً بعد الإسلام، بسبب قولهم كلمة، فغزوة تبوك تكلم أناس بكلام على وجه المزاح، حيث استهزءوا بقراء الصحابة، فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦]، فأثبت لهم بقولهم كفراً بعد الإيمان.
ويكون الكفر بالفعل كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف أو تلطيخه بالنجاسة.
ويكون بالشك كما لو شك في البعث، أو شك في الجنة، أو شك في النار، أو شك في صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، أو شك في وجود الملائكة، أو شك في وجود العرش، فإنه يكفر بهذا.
ويكون الكفر بالاعتقاد، فإذا اعتقد أن لله صاحبه أو ولداً، أو أن له شريكاً أو أن هناك أحداً يستحق العبادة مع الله؛ فهذا كفر مخرج من الملة، وهذه كلها من أنواع الكفر.
ومن أنواع الكفر ونواقض الإسلام: اعتقاد أن هناك نبياً بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس خاتم النبيين، وسيأتي بعده نبي، أو قال: إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب، وليست لجميع الناس؛ فهذا كافر؛ لأنه مكذب بقول الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠]، ولهذا قاتل الصحابة بني حنيفة وهم يصلون ويؤذنون ويلتزمون بشرائع الإسلام؛ لأنهم سمعوا منهم كلمة واحدة، وهي أنهم قالوا: إن مسيلمة نبي، فلما رفعوا مسيلمة إلى مقام النبوة كفروا.
ومن ذلك -أيضاً- ما حدث في عهد علي رضي الله عنه، فإنه عاقب الذين غلوا فيه ورفعوه إلى مقام الألوهية، فخذ لهم أخاديد وأضرمها وأججها ناراً، ثم ألقاهم وأحرقهم فيها، رغم أنهم كانوا يصلون ويصومون ويتعلمون العلم من الصحابة؛ لأنهم فعلوا ناقضاً من نواقض الإسلام، فكل من غلا في شخص وجعل فيه نوعاً من الإلهية أو ادعى أنه يستحق أن يعبد أو يدعى من دون الله أو يذبح له أو ينذر له أو أنه إله فقد كفر بالإجماع.
ومن ذلك ما فعله بنو عبيد القداح في آخر القرن الثالث الهجري وأول القرن الرابع، حينما ملكوا المشرق والمغرب وهم يصلون الجمعة والجماعة، ويخطب لهم على المنابر، لكن لما أظهروا شيئاً من نواقض الإسلام أجمع العلماء على كفرهم، وقاتلهم المسلمون واستنقذوا ما بأيديهم من بلاد المسلمين؛ بسبب ما كانوا يعتقدونه من اعتقاد باطل، وهو الغلو في آل البيت، فمن اعتقد من الرافضة أن أحداً من آل البيت يستحق شيئاً من العبادة، أو أنه يتصرف في الكون، أو أن القرآن طار ثلثاه ولم يبق إلا الثلث -كما تعتقده بعض الرافضة- أو سب الصحابة كلهم أو كفرهم فقد كفر؛ لأن سب الصحابة وتكفيرهم جميعاً سب للدين وللذين حملوه، فمن الذي حمل إلينا الدين؟ فإذا كان الصحابة الذين حملوا الدين كفاراً فكيف يوثق بهذا الدين؟! بل استنبط الإمام مالك رحمه الله كفر من سب الصحابة جميعاً من قول الله تعالى في سورة الفتح في وصف الصحابة: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩]، فقال: من أبغض الصحابة فهو كافر بنص القرآن.
فهذه كلها نواقض من نواقض الإسلام، فلابد المسلم -ولاسيما طالب العلم- من الاعتناء بها ومراجعتها دائماً وأبداً، فمن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام كفر وانتقض إسلامه ودينه، ولا ينفعه ما كان يفعله من الصلاة والصوم والحج، إلا إذا تاب قبل الموت وقبل بلوغ الروح إلى الحلقوم، فمن تاب تاب الله عليه.
ومن أمثلة الكفر الذي يخرج من الملة: من قال: مُطرنا بنوء كذا أو بنجم كذا.
معتقداً أن للنجم تأثيراً في إنزال المطر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)، فإذا قال: مطرنا بنوء كذا أو بنجم كذا فهو كافر بالله مؤمن بالكوكب.
لكن هـ