للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأشاعرة والقول بخلق القرآن]

السؤال

هل يقول الأشاعرة بخلق القرآن؟

الجواب

لا يقول الأشاعرة بذلك، والمعروف أن الذين قالوا بخلق القرآن هم الجهمية والمعتزلة، وأما الأشاعرة فيثبتون الكلام لله تعالى، لكن لا يثبتونه على الوجه الصحيح، فكلام الله عندهم معنىً قائم ليس بحرف ولا صوت؛ لأن الحرف والصوت عندهم مخلوقان، ويقولون: إن كلام الله تعالى في نفسه كالعلم، فلا يسمع، وإن جبريل عبر عن المعنى القائم في نفس الله بالقرآن، فالله تعالى اضطره حتى فهم المعنى الذي قام في نفسه، فعبر به.

ويقولون أحياناً: إن الذي عبر بالقرآن هو محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن قول محمد وقول جبريل، فالمعنى من الله واللفظ من محمد وجبريل عليهما السلام، فجبريل فهمه من نفس الله، والله تعالى لا يتكلم بحرف ولا صوت؛ لأن الحرف والصوت حادثان، هكذا يقولون.

وقال بعضهم: إن الذي تكلم بالقرآن هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: هو جبريل، وقال بعضهم: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ ولم يتكلم به الله، وعلى هذا فيكون القرآن الموجود بين أيدينا على مذهب الأشاعرة يسمى قرآناً مجازاً؛ لأن كلام الله تأدى بالقرآن، وكلام الله معنى تأدى بهذا النص؛ لأن الكلام معنى نفسي لا يسمع، لكن هذا القرآن تأدى به كلام الله، فيسمى كلام الله مجازاً.

وهم أحياناً يقولون عند خصومهم: القرآن كلام الله، وأما عند المناظرة فيقولون: إن مقصودنا بذلك أنه كلام الله مجازاً، وقلنا: كلام الله لأنه تأدى به كلام الله.

وعلى هذا المذهب تكون الحروف والأصوات مخلوقة، والمعنى غير مخلوق، فيكون مذهبهم نصف مذهب الجهمية والمعتزلة، فالمعتزلة يقولون: إن القرآن مخلوق حروفه ومعانيه، والأشاعرة يقولون: إن المعاني ليست مخلوقة، وأما الحروف والألفاظ فمخلوقة.

وصفة الكلام من الصفات السبع التي أثبتوها، لكنهم لم يثبتوها على وجهها، فالكلام عندهم معنىً قائم بالنفس لا يسمع، والحروف والأصوات دليل على ذلك المعنى، ويستدلون بقول الأخطل النصراني: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا فالكلام في القلب، واللسان يعبر عما في القلب ويترجم عنه ويدل عليه فقط، فهذا القرآن الموجود في المصاحف ليس كلام الله، بل هو عبارة عن كلام الله؛ لأنه تأدى به كلام الله تعالى، وهذا مذهب خطير.

ولهذا تجرد الإمام ابن القيم رحمه الله في كثير من كتبه، وكذلك شيخ الإسلام وغيرهم من علماء السنة للرد على هؤلاء؛ لأن أمرهم ملتبس أكثر من التباس مذهب الجهمية والمعتزلة، ولأنهم يسمون كتبهم كتب أهل السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>