للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستدلال بقوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم) ونقضه]

من أدلة المعتزلة على أن القرآن مخلوق وأن كلام الله مخلوق قول الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:٤٠]، فقوله: (إنه) يعني: القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، قالوا: هذا دليل على أن الرسول هو الذي أحدث نظم القرآن، فدل على أن القرآن مخلوق؛ لأنه قول رسول كريم، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام.

وأجيب عن هذا بأجوبة: أولاً: أن الله قال: (قول رسول) والرسول هو الذي يبلغ كلام مرسله، ولا يأتي بشيء من عنده، وإنما هو يبلغ كلام مرسله والله هو الذي أرسله.

وهذه النكتة في التعبير بقوله: (رسول) ولم يقل: (إنه قول نبي)، ولا: (قول ملك)؛ لأن الرسول يبلغ كلام مرسله.

ثانياً: أنه قال (أمين) والأمين: هو المؤتمن الذي لا يزيد على تبليغ ما أرسل به ولا ينقص.

ثالثاً: أن الرسول في هذه الآيات مختلف فيه، فقد جاء في بعض الآيات ذكر الرسول وأريد به جبريل، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:١٩ - ٢١]، فهذا المقصود به جبريل في سورة (التكوير)، أما قوله تعالى في سورة الحاقة: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة:٤٠ - ٤٢]، فالمراد به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

فأخبر الله أن القرآن قول جبريل وقول محمد، فأيهما الذي أحدث نظم القرآن؟ فإن أحدثه محمد امتنع أن يحدثه جبريل، وإن أحدثه جبريل امتنع أن يحدثه محمد، وهذا يبطل قولكم: إن الرسول أحدث نظم القرآن، فدل على أنه كلام الله وإنما الرسول هو الذي يبلغ كلام الله.

رابعاً: أن الله تعالى توعد من قال: إن القرآن كلام البشر بأن يصليه سقر، فقال سبحانه عن الوليد بن المغيرة: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٢ - ٢٦]، ومحمد صلى الله عليه وسلم من البشر، فمن قال: إن القرآن كلام محمد أحدثه فقد قال: إن القرآن كلام البشر، وله نصيب من هذا الوعيد الذي توعد به سبحانه، فنسأل الله السلامة والعافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>