والفناء عند الصوفية ثلاثة أنواع: فناء عن وجود السوى، وفناء عن شهود السوى، وفناء عن مراد السوى.
فالفناء الأول فناء عن وجود السوى، وهو الفناء في الوحدة المطلقة ونفي التكتل عنها بكل اعتبار، فلا يشهد غيراً، ولا يشهد رباً وعبداً، بل يشهد الرب نفس العبد، والعبد نفس الرب، بل ليس هناك رب ولا عبد، وهذا فناء الملاحدة والزنادقة، فناء أهل وحدة الوجود، والفناء عندهم هو الوحدة المطلقة، فيقولون: الخالق هو الواحد المطلق، أي: الذي لا يقيد بشيء، لا باسم ولا بصفة ولا بمكان ولا بزمان، فهو كل الأشياء، فهذه المحدثات تلبسه وتخلعه، وتكتسيه الماهيات كلها، فيفنون في الوحدة المطلقة، والواحد المطلق الذي ليس له اسم ولا صفة يكون في الذهن، وهذه المحدثات تلبسه وتخلعه، وعلى ذلك فلا يكون هناك عبد ورب، فأنت العبد وأنت الرب! نسأل الله السلامة والعافية، هذا هو فناء الملاحدة والزنادقة، وهذا كفر وإلحاد، بل هو أعظم من كل كفر، وكفر كل كافر جزء من هذا الكفر، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن هؤلاء الملاحدة والزنادقة ابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني والقونوي وغيرهم من ملاحدة الصوفية الذين ينعقون بوحدة الوجود، ويقولون: الوجود واحد، وهؤلاء ألغوا عقولهم، نسأل الله السلامة والعافية، وإلا فهذا الكلام لا يتصوره عاقل.
وكلمة الفناء كلمة يعنون بها تجريد شهود الحقيقة الكونية والغيب عن شهود الكائنات.
فالمخلوقات كلها يغيب عنها وينساها، فلا يكون هناك إلا تجريد شهود الحقيقة الكونية، وهو الله، ويغيب عن شهود المخلوقات كلها، لكن الزنادقة من ملاحدة الوجود يغيبون عن وجود هذه المخلوقات، بمعنى أنهم ينكرون وجود المخلوقات، فلا يقولون: إن هناك خالقاً ومخلوقاً، بل كل ما تراه هو الخالق، فكل ما تراه من سماء وأرض ومتحرك وساكن وناطق هو الله، وهذا تجليه وأسماؤه وصفاته، وهو الوجود المطلق، وكل شيء يلبسه ويخلعه، نسأل الله السلامة والعافية.