وقد ورد الوعيد الشديد على من أتى إلى الكاهن وسأله أو صدقه، فقد ثبت في صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، وهذا وعيد شديد إذا سأله ولم يصدقه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) صلى الله عليه وسلم، رواه أحمد وأبو داود وغيرهم, فإذا كان هذا حال السائل والمصدق فكيف بحال الكاهن نفسه؟! إذا كان السائل الذي يسأل الكاهن جاء في حقه هذا الوعيد فكيف بحال الذي يُصدَّق؟! فإذا سأله ولم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً؛ لأن سؤاله ميل إليه، ولأن سؤاله رفع لشأنه واهتمام به، ولا يجوز للإنسان أن يهتم بالكاهن، ولا أن يرفع من شأنه، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليسوا بشيء) أي: أخبارهم لا يوثق بها.
وما يأخذه الكاهن على كهانته وما يأخذه الساحر على سحره سحت حرام، وليس بحلال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكهان خبيث)، ومهر البغي: ما تعطاه الزانية من أجرة على زناها، فهذا خبيث وسحت، وثمن الكلب خبيث، فالكلب لا يباع ولا يشترى، حتى ولو كان كلب صيد أو ماشية، ويجوز أن يقتنى كلب الصيد أو الماشية أو الحرث، لكن لا يباع، وإنما يهدى فقط، أما أن يُعطي من أجله ثمناً فليس للكلب ثمن، ولو كان كلباً أذن الشارع باقتنائه وهو كلب الصيد والماشية والحرث، لكن لو أعطاه كرامة وهدية من دون اشتراط ثمن فلا بأس.
وحلوان الكاهن: أجرته على الكهانة، سمي حلواناً لأنه يأكله حلواً بدون تعب ولا مشقة، فالذي يأتي الكاهن ويسأله جاء في حقه هذا الوعيد، بأنه لن تقبل له صلاة أربعين يوماً؛ لأنه رفع من شأن الكاهن، وهو خبيث يدعي علم الغيب ويدعي مشاركة الله في علمه، فكيف تأتي إليه وترفع من شأنه وتهتم به؟! ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم قال:(ليسوا بشيء).
أما إذا أتاه وصدقه ففيه وعيد آخر، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما نزل على محمد) صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في المراد بالكفر، فقال بعض العلماء: قد كفر كفراً أصغر لا يخرج من الملة، وتوقف آخرون من أهل العلم، فقالوا: نتوقف فلا نقول: إنه كفر أكبر أو كفر أصغر، والصواب أنه كفر أكبر إذا صدق دعوى الكاهن في دعوى علم الغيب؛ لأنه مكذب لله في قوله:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل:٦٥]، هذا إذا صدقه في دعوى علم الغيب، أما إذا صدقه في قضية معينة، كأن يحتمل أن تكون هذه الكلمة سمعت من السماء، أو صدقه في شيء يتعلق بعلاج مريضه أو ما أشبه ذلك؛ فلا يعتبر كفراً أكبر، لكن إذا صدق الكاهن في دعوى علم الغيب فإنه يكفر والعياذ بالله؛ لأنه مكذب للقرآن، فإذا كان هذا حال المصدق للكاهن والذي يأتي إلى الكاهن فكيف بحال الكاهن؟! فالكهنة كذبة كفرة.