[أقسام علم التنجيم]
علم التنجيم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ادعاء أن الكواكب فاعلة مختارة، وأن الموجودات في العالم السفلي مركبة على تأثير الكواكب والروحانيات، وأن الحوادث مركبة من تأثيرها، وهذا كفر بإجماع المسلمين وشرك أكبر بالله العظيم من غير خلاف، وهذا الشرك هو الذي وقع فيه الصابئة عباد الكواكب، وهم الذين بعث فيهم إبراهيم الخليل على نبينا وعليه أفضل السلام وأتم التسليم، وهذا شرك أكبر، وهو شرك في الربوبية.
القسم الثاني: الاستدلال على الحوادث الأرضية بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها، ويقولون: إن ذلك بتقدير الله ومشيئته، وإن الله هو المسير وهو المقدر، لكن يستدلون على الحوادث الأرضية بمسير الكواكب، فإذا سارت الكواكب أو اجتمعت أو افترقت استدل بذلك على وقوع حرب في الأرض، أو زوال دولة أو قيام دولة، أو ولادة عظيم أو موت عظيم، أو وقوع المطر، أو تغير الأسعار، أو ظهور الحر والبرد، أو هبوب رياح عظيمة، أو ما أشبه ذلك، فهؤلاء يقولون: هذا بمشيئة الله وقدرته، وهو الذي خلق ذلك وأوجده وسيره، لكن يستدلون على ذلك بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها، فإذا سارت الكواكب أو اجتمعت أو افترقت استدل بها على حادث يقع في الأرض، وهذا -أيضاً- كفر وشرك أكبر؛ لما فيه من دعوى علم الغيب؛ لأن صاحبه يدعي علم الغيب.
وهذا اقتباس من النجوم، وهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)، فكلما زاد في تعلم علم النجوم زاد في اقتباس السحر.
وقد اختلف المتأخرون في حكم متعلم هذا النوع، والصواب الذي ينبغي القطع به أنه كافر، فمن استدل على الحوادث الأرضية بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها فهو كافر؛ لما فيه من دعوى علم الغيب، وقد نص الله سبحانه وتعالى على أنه لا يعلم الغيب إلا هو سبحانه فقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:٥٩]، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥]، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان:٣٤] ومن ادعى علم الغيب كفر، ومسير الكواكب واجتماعها ليس دليلاًُ على علم الغيب، فإنه لا يعلم الغيب إلا عن طريق الأنبياء والرسل، فما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم من علم الغيب قبلناه وصدقناه، أما الاستدلال على علم الغيب بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها فهو كفر أكبر، نسأل الله السلامة والعافية.
وهذان النوعان والقسمان من علم التنجيم يسميان عند العلماء بعلم التأثير.
النوع الثالث من علم التنجيم: علم التسيير، فيكون علم التنجيم قسمان: علم التأثير وهو قسمان كما سبق، والثالث: علم التسيير، وهو الاستدلال بمنازل الشمس والقمر على معرفة القبلة، ومعرفة الزوال ليعلم به وقت دخول الظهر، ومعرفة فصول السنة، أو الاستدلال به على معرفة أوقات البذور من الفلاحين، ومعرفة الطرق في البر أو في البحر حتى يستدل بها المسافرون، كأن ينظر في النجوم فيعرف النجم القطبي؛ لأن النجم القطبي نجم ثابت في جهة الشمال، وإذا تحددت جهة الشمال تحددت بقية الجهات، فيعرف المسافر الطريق ويمشي، ويستدل بالنجوم على معرفة سيره، فيعرف في أي جهة هو، وينظر إلى النجم القطبي فيستدل به، سواء أكان في البر أم في البحر، فهذا جائز عند جمهور العلماء، وهو الصواب، وهو علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والخبر، وشيء يخبرك به الثقات، فتُعلم به جهة القبلة، ويعلم به وقت الزوال وأوقات الصلوات، ويعلم به معرفة الطرق، ويهتدي به المسافرون في البر أو في البحر، ويعرف به فصول السنة، فيعرف فصل الربيع وفصل الخريف وفصل الشتاء وفصل الصيف، وتعرف أوقات البذور؛ لأن البذر يختلف، فهناك بذر في وقت الصيف، وبذر في وقت الشتاء، وبذر في وقت الخريف، فتنظر في النجوم حتى تعرف أوقات البذر، فهذا لا بأس به عند جمهور العلماء، وهو الصواب، قال الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس:٥].
فهذا يسمى علم التسيير عند أهل العلم، وهو تعلم منازل الشمس والقمر، والنظر في النجوم؛ ليستدل بذلك على معرفة جهة القبلة حتى يصلي المرء، أو يستدل بذلك على معرفة زوال الشمس، فإذا كانت الشمس أمامك فإنه تصلي، وإذا كانت بين الحاجبين فوقع وقت العصر فإنك تصلي، وتنظر في الشمس حتى تعرف جهة القبلة، وتعرف وقت الزوال، وتعرف أوقات فصول السنة، وأوقات البذر للفلاحين، وطرق المسافرين في البر أو في البحر أو في الجو، فالطيار في الجو قد يستدل بالنجوم، فهذا جائز عند جمهور العلماء، وهو الصواب.
وذهب بعض العلماء إلى المنع منه، ومنهم قتادة بن دعامة السدوسي وسفيان بن عيينة، ذكر ذلك حرب الكرماني في مسند الإمام أحمد عنهما، وأنهما منعا من علم التسيير.
ورخص في تعلم المنازل الإمام أحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه، وهو رأي جمهور العلماء وهو الصواب.
أما القول بأنه ممنوع فهو قول ضعيف؛ لأنه لا محذور فيه، ولأن الحاجة ماسة إلى معرفته، ولأن الفائدة ظاهرة، بل قد يضطر الإنسان إلى معرفته، بل قد يؤمر الإنسان بالنظر في الشمس والقمر والنجوم حتى يعرف جهة القبلة إذا أراد أن يصلي، ويعرف وقت الزوال، وكذلك المسافر ينظر في النجوم حتى يعرف جهة سيره في البر أو في البحر، وهذه فائدة محضة لا محذور فيها، ولهذا يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله مبيناً خلاف العلماء في هذا: والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير؛ فإنه باطل محرم قليله وكثيره، وأما علم التسيير فتعلم ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور، وما زاد عليه لا حاجة إليه؛ لشغله عما هو أهم منه، وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين، كما هو واقع من أهل هذا العلم قديماً وحديثاً، وذلك يفضي اعتقاده إلى خطأ المسلمين في صلاتهم.
انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله.
إذاً: الحافظ ابن رجب رحمه الله يحكي الخلاف في هذا، ويقول: المأذون في تعلمه علم التسيير، أما علم التأثير فإنه باطل محرم قليله وكثيره، وقد سبق أن علم التأثير ينقسم إلى قسمين: إدعاء أن الكواكب فاعلة مختارة، أو ادعاء علم الغيب عن طريق سير الكواكب واجتماعها وافتراقها.
قال: وأما علم التسيير فتعلم ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القبلة والطرق، ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور، وما زاد عليه لا حاجة إليه، لشغله عما هو أهم منه، فكون الإنسان يتعمق في معرفة منازل الشمس والقمر والنجوم شيء زائد عن الحاجة يشغل عما هو أهم.
قال: وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين، كما هو واقع من أهل هذا العلم قديماً وحديثاً، وذلك يفضي اعتقاده إلى خطأ المسلمين في صلاتهم.
وهذا واقع الآن، فبعض الناس يتشدد إذا أراد أن يحدد جهة القبلة بالبوصلة بالشعرة، فيقول: هذه جهة القبلة، حتى إن بعض الناس قال: إن كثيراً من المساجد الآن مائلة عن جهة القبلة؛ لأنه ينظر إلى البوصلة بالدقة، وهذا تشديد لا وجه له؛ لأن ما بين الشمال والجنوب قبلة والحمد لله، وما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المدينة ونحوهم، فالميل اليسير والانحراف لا يضر، فإذا كانت القبلة عندنا في مدينة الرياض على أربعة عشر، فمالت القبلة إلى خمسة عشر أو ثلاثة عشر فذلك لا يضر.
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: إن التعمق وتدقيق النظر في علم التسيير قد يؤدي إلى محذور، وهو إساءة الظن بمحاريب المسلمين، كما هو واقع من أهل هذا العلم قديماً وحديثاً، فبعض الناس يتعمق وينظر إلى القبلة بالشعرة، فيرى القبلة مائلة عن أربعة عشر فيقول: القبلة مائلة، والقبلة ليست بصحيحة، هذا معنى قول الحافظ ابن رجب: وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين، وذلك يفضي اعتقاده إلى تخطئة المسلمين والعلماء السابقين والمسلمين في صلاتهم، يقول: مضت مئات السنين أو مائة سنة والمسجد هذا مائل عن القبلة، فالمسلمون الذين سبقوا أخطئوا في صلاتهم، هذا مراد الحافظ ابن رجب رحمه الله.
إذاً: لا ينبغي التشدد في مثل هذا، فقد قال بعض الناس: كل المساجد القديمة مائلة عن جهة القبلة، وهذا غلط، فليست مائة عن جهة القبلة؛ إذ القبلة ما بين الجهتين، والميل اليسير لا يضر، إنما الذي يضر أن تستقبل الشمال أو تستقبل الجنوب وتنحرف انحرافاً واضحاً، أما كون الإنسان يقول: أن القبلة بالدقة وبالشعرة والدبوس لا تميل عن أربعة عشر فهذا غلط.
وعلى كل حال فإن هذه النجوم خلقها الله سبحانه وتعالى وجعلها علامات يهتدى بها، كما قال الله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:١٦] وخلقها الله زينة للسماء ورجوماًَ للشياطين، فلا ينبغي للإنسان أن يتجاوز هذا الحد ويستدل بها على دعوى علم الغيب، فهذا باطل، بل كفر وردة، ولهذا قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف مالا علم له.
وهذا كلام سديد وجيد، وهذه الثلاث التي ذكرها قتادة رحمه الله دل عليها القرآن، فهي زينة للسماء ورجوم للشياطين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:٥]، فهذان أمران، وعلامات يهتدى بها، قال الله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:١٦]، فهذه الحكمة من خلق النجوم: زينة ل