[الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة]
النوع الثاني من أنواع الكفر العملي: الذي لا يخرج من الملة، وهو كل ما ورد من الذنوب تسميته كفراً ولم يصل إلى حد الكفر الأكبر، فهو ليس شركاً في العبادة ولا ناقضاً من نواقض الإسلام، بل هو ذنب من الذنوب ورد في النصوص تسميته كفراً، فهذا يكون كبيرة من الكبائر، لكنه لا يخرج من الملة، ولا يخلد صاحبه في النار، ولا يحبط الأعمال، بل صاحبه تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].
والكفر العملي الذي لا يخرج من الملة له أمثلة، فمن أمثلته: قتال المسلمين بعضهم بعضاً، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس في حجة الوداع قال في خطبته: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، فسمى قتال المسلمين بعضهم بعضاً كفراً، فهو كفر عملي، إلا من استحل، فمن استحل قتل أخيه ورآه حلالاً فإنه يكفر كفراً أكبر، لكن إذا كان قتاله نتيجة الهوى وطاعة للشيطان فهذا يكون ذنباً، أما إذا كان يرى أن قتال المسلمين حلالاً فإنه يكفر كفراً أكبر يخرج من الملة، وقتال المسلم -ولو كان واحداً- من الأعمال الكفرية، أما سب المسلم فهو فسوق، قال عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).
ومن أمثلة الكفر الأصغر: أن يرمي أخاه بالكفر، فيقول: يا كافر، وهذا من الأعمال التي تعتبر كفراً أصغر؛ لما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)، وثبت في حديث آخر أن الإنسان إذا رمى أخاه بالكفر أو لعنه فإنها تصعد إلى السماء، ثم ترجع إلى الذي لُعن أو رمي بالكفر، فإن كان أهلاً لها وقعت عليه، وإن لم يكن أهلاً لها رجعت إلى الذي قالها وتكلم بها، وهذا يفيد الحذر، فينبغي للإنسان أن يحذر من شر اللسان.
ومن أمثلة الكفر العملي: إتيان المرأة في دبرها، فإذا أتى الرجل زوجته في دبرها فهذا كفر أصغر؛ لأن الجماع في الدبر حرام، وهو من الأعمال الكفرية؛ لما ثبت في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد)، فالجماع يكون في الفرج الذي هو محل الحرث، أما الجماع في الدبر فهو من كبائر الذنوب، وهو من الأعمال الكفرية.
ومن أمثلة الكفر العملي: تصديق الكاهن؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، وهذا فيه اختلاف كما سبق، فهل تصديق الكاهن كفر يخرج من الملة أو لا يخرج من الملة؟ فمن العلماء من قال: إنه يخرج من الملة بإطلاق، ومن العلماء من قال: إنه كفر أصغر لا يخرج من الملة، ومن العلماء من توقف، والصواب أنه يخرج من الملة إذا صدقه في دعوى علم الغيب، فإذا صدق الكاهن في دعوى علم الغيب فإنه يكفر كفراً أكبر، ويكون من الكفر العملي الذي يخرج من الملة؛ لأنه مكذب لله في قوله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله} [النمل:٦٥]، أما لو صدقه في قضية معينة، كأن تكون هذه الكلمة التي قالها الكاهن سُمعت من السماء، فوقعت كما قال فصدقه؛ لأنه سمع من السماء، أو تتعلق بعلاج مريضه أو ما أشبه ذلك؛ فهذا لا يخرج من الملة.
ومن أمثلة الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة: انتساب الإنسان إلى غير أبيه وإلى غير قبيلته؛ لما ثبت في الصحيحين: (ما من رجل ينتسب إلى غير أبيه وهو يعلم إلا كفر)؛ لما فيه من التلبيس، ولما فيه من كفر النعمة، فأبواه هما السبب في وجوده، ثم ينتسب إلى غيرهما، أو ينتسب إلى غير قبيلته، كأن يكون من قبيلة المطير فينتسب إلى قبيلة هذيل، أو إلى قبيلة شمر أو قبيلة عنزة، فإذا أنكر قبيلته فهذا من الأعمال الكفرية.
ومن أمثلة الكفر العملي: انتساب العبد والمولى إلى غير مواليه، كما جاء في الحديث: (من انتسب إلى غير مواليه فقد كفر) أو ما معناه.
وجاء في آية نسخ لفظها وبقي حكمها: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم)، وهي من الآيات التي نسخ لفظها وبقي حكمها.
ومن أمثلة الكفر العملي: كفر النعمة، قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢].