للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكفر الأكبر والأصغر وعلاقتهما بالإيمان والتوحيد]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإن الطحاوي رحمه الله افتتح رسالته في العقيدة بقوله: [نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا إله غيره].

ويدخل في هذه الجملة أنواع التوحيد الثلاثة التي هي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

والتوحيد ضده الشرك والكفر والنفاق، نسأل الله السلامة والعافية، ولا يكون الإنسان موحداً لله حتى يحذر الشرك بأنواعه، ويحذر الكفر بأنواعه، ويحذر النفاق بأنواعه، وحتى يكون موحداً كامل التوحيد والإيمان، أما إذا فعل شيئاً من أنواع الشرك الأصغر، أو من أنواع الكفر الأصغر؛ فإن توحيده يكون ناقصاً، وإيمانه يكون ناقصاً، أما إذا فعل الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر أو الكفر الأكبر؛ فإنه ينتقض منه الإيمان وينتقض التوحيد بالكلية، فلا يمكن أن يجتمع توحيد وإيمان مع شرك أكبر، ولا يجتمع توحيد وإيمان مع كفر أكبر، ولا يجتمع توحيد وإيمان مع نفاق أكبر، فإذا وجد أحدهما زال الآخر، إذا وجد الكفر الأكبر زال التوحيد والإيمان، وإذا وجد التوحيد والإيمان زال الكفر الأكبر، وإذا وجد التوحيد والإيمان زال الشرك الأكبر، وإذا وجد الشرك الأكبر والنفاق الأكبر زال التوحيد والإيمان.

لكنه قد يجتمع مع التوحيد والإيمان نفاق أصغر أو كفر أصغر أو شرك أصغر؛ لأن النفاق الأصغر والكفر الأصغر والشرك الأصغر لا يخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد والإيمان ويضعفه، والنفاق الأصغر والشرك الأصغر والكفر الأصغر وسيلة إلى الشرك الأكبر.

وقد استعرضنا بعض أنواع الشرك الأكبر وأمثلته التي تنافي التوحيد والإيمان، ثم استعرضنا بعض أنواع الشرك الأصغر التي تنافي كمال الإيمان الواجب، ومن ذلك الحلف، فالحلف بغير الله من الشرك الأصغر، كأن يحلف بالكعبة أو بالنبي أو بالأمانة أو بغير ذلك، فهذا شرك أصغر.

وقد يكون أكبراً إذا اعتقد أن المخلوق يستحق شيئاً من التعظيم والعبادة التي لا يستحقها إلا الله سبحانه وتعالى، والشرك الأصغر أكبر من الكبائر؛ لأنه يتعلق بالقلوب وصرفها عن الله، بخلاف الكبائر فإنها طاعة للهوى والشيطان؛ ولأن الشرك الأصغر وسيلة إلى الشرك الأكبر.

ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً)، وهذا من فقهه رضي الله عنه وتقواه؛ لأن الحلف بالله -وإن كان الشخص كاذباً- يعتبر توحيداً، بخلاف الحلف بغير الله وإن صدق، فهو شرك، فحلفه بالله كاذباً معه حسنة ومعه سيئة، معه حسنة التوحيد ومعه سيئة الكذب، والحالف بغير الله صادقاً معه حسنة ومعه سيئة، فمعه حسنة الصدق وسيئة الشرك، وإذا قارنت بين حسنة التوحيد وحسنة الصدق تجد أن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وإذا قارنت بين سيئة الشرك وسيئة الكذب وجدت أن سيئة الشرك أعظم من سيئة الكذب، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه هذه المقالة: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً).

<<  <  ج: ص:  >  >>