الأقوال المنتشرة الآن والسائدة في الكتب والمؤلفات هي أقوال هذه الطوائف الثلاث: قول الأشاعرة وقول المعتزلة الذي هو قول الجهمية فتحول إليهم، وقول أهل السنة والجماعة، فهذه هي الأقوال الثلاثة المنتشرة، وأما الأقوال الأخرى فبطلانها وفسادها واضح، وقول الأشاعرة منتشر الآن في الكتب والمؤلفات، ففي كتب التفسير كتاب:(مفاتيح الغيب) للرازي، فقد نشر هذا المذهب ودعا إليه، وقول المعتزلة موجود في الكتب والمؤلفات، ففي كتب التفسير كتاب:(الكشاف) للزمخشري، فقد نشر مذهب الاعتزال في تفسيره.
أما قول أهل السنة والجماعة فهو القول الحق.
إذاً: فلا بد للمسلم ولطالب العلم على وجه الخصوص من أن يعرف حقيقة هذه المذاهب الثلاثة، وأن يعرف القول الحق الذي تقتضيه النصوص الشرعية.
وتشهد له العقول والفطر، وهو قول أهل السنة والجماعة.
ولا بد من أن يعرف شبه المعتزلة، وشبه الأشاعرة؛ لأن لهم شبهاً يلبسون بها على الناس، والأشاعرة قد يسمون أنفسهم بأهل السنة، والمعتزلة أيضاً يرون أنهم على الحق.
ونريد أولاً أن نقرر حقيقة مذهب أهل السنة والجماعة الذين تلقوا هذا الباب عن الرسل، فحقيقة مذهب أهل السنة والجماعة أن كلام الله محفوظ في الصدور ومقروء بالألسن ومكتوب في المصاحف، وهو حقيقة في هذه المواضع كلها، فإذا قيل: في المصحف كلام الله فهم منه معنى صحيحاً حقيقة، وإذا قيل: فيه خط فلان وكتابته فهم منه معنى صحيحاً حقيقة، وإذا قيل: في المصحف مداد كتب به فهم منه معنى صحيحاً حقيقة، وإذا قيل المداد في المصحف كانت الظرفية فيه غير الظرفية المفهومة من قولك: في المصحف السماوات والأرض وموسى وعيسى، وهذان المعنيان مغايران لمعنى قول القائل: فيه خط فلان الكاتب، وهذه المعاني الثلاثة مغايرة لمعنى قولك: فيه كلام الله، ومن لم يتنبه لهذه الفروق ضل ولم يهتد للصواب.
وكذلك لا بد من التنبه للفرق بين القراءة التي هي فعل القارئ وبين المقروء الذي هو كلام الباري سبحانه وتعالى، فمن لم يتنبه ضل ولم يهتد للصواب.