[حقيقة مذهب الأشاعرة في كلام الله ووجه شبهه بقول النصارى]
حقيقة مذهب الأشاعرة: أن كلام الله مكون من شيئين: معنى قائم بالنفس.
وهذا هو الكلام الحقيقي، وحروف وأصوات وهذه عبارة دالة عليه، فنصف الكلام مخلوق وهو الحروف والأصوات، ونصفه غير مخلوق، وهو المعنى القائم بالنفس، وهذا هو نصف مذهب المعتزلة، فالمعتزلة يقولون: الكلام بحروفه وألفاظه مخلوق، والأشاعرة يقولون: الكلام حروفه وألفاظه مخلوقة ومعانيه غير مخلوقة.
فقول الأشاعرة: إن الكلام معنى قائم بالنفس والحروف والأصوات مخلوقة له شبه بقول النصارى الذين عبدوا المسيح، وقالوا: إن عيسى نفس كلمة الله، وقالوا: إن عيسى مكون من جزأين: جزء إلهي وهو كلمة (كن)، وجزء من الناس وهو عيسى، فاتحدا وامتزجا وصارا شيئاً يقال له: المسيح، ولهذا عبدوه من دون الله، ومذهب الأشاعرة في كلام الله فيه شبه بمذهب النصارى؛ لأن الأشاعرة يقولون: إن كلام الله معنى قائم بنفسه لا يسمع إلا بواسطة الألفاظ والحروف، فالنظم الموجود في المصاحف مخلوق والمعنى القائم بنفس الرب غير مخلوق، ولا يمكن أن يفهم المعنى القائم بنفس الرب إلا بواسطة النظم المخلوق، فإفهام المعنى القائم بنفس الرب بواسطة النظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى، فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه! كما أن قول الأشاعرة: إن القرآن الموجود عبارة عبّر به محمد صلى الله عليه وسلم له شبه بقول الوليد بن المغيرة، حينما قال عن القرآن:{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:٢٥]، فمن قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم عبر بهذا القرآن فله نصيب من الوعيد الذي توعد الله به الوليد بن المغيرة، فالأشاعرة يقولون: إن كلام الرب معنى قائم بنفسه، وقال بعضهم: إن الله تعالى اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر عنه، وقال آخرون: إن التعبير إنما هو من محمد صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ.