النوع الثاني من أنواع الشرك الأصغر: الشرك في العمل، وهو أن يرائي بعمله، أو يحسن عمله من أجل الناس، أو يعمل العمل لأجل الدنيا، أو لأجل حظ نفسه، أو يتصنع للخلق مراءاة لهم بعمله، فيحسن صلاته إذا رأى رجلاً ينظر إليه، فتجده يتصنّع للخلق ولا يخلص لله في العبادة، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ويعمل لله تارة، ويعمل لأجل الدنيا تارة، فلله من عمله نصيب، ولغيره منه نصيب، وهذا الشرك شرك أصغر، فإذا كان خاطراً وطرده ودفعه فإنه لا يضره، وأما إذا استرسل فيه إلى نهاية العمل فإنه يُخشى أن يحبط العمل الذي وقع فيه.
فالشرك في الأعمال كالرياء، والتصنع للخلق، وعدم الإخلاص لله في العبادة، فيعمل العمل لله تارة، وتارة يعمله لأجل حظ نفسه حتى يمدح ويثنى عليه، وتارة يعمله لأجل الدنيا.
وقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
وفي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي، فسئل عنه فقال: الرياء، يقوم الرجل يصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه)، رواه الإمام أحمد.
وروى الطبراني والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، الرياء، إذا كان يوم القيامة وجازى الله الناس في أعمالهم قال للمرائين: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟!) أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث أبي سعيد السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء)، ففي هذا الحديث كان يخاطب الصحابة، فإذا كان يخشى الرياء على الصحابة مع علمه بفضلهم فغيرهم من باب أولى، ولهذا قال العلماء: إن الرياء يخشى على الصالحين أكثر من غيرهم، فلا يخشى على الفساق؛ لأن الغالب أن الفساق والعصاة لا يراءون، لكن الرياء إنما يقع في قلوب الصالحين، فيراءون بأعمالهم، ويحسنون أصواتهم في القراءة، أو يدعون إلى الله، أو يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مراءاة للناس حتى يمدحوهم ويثنوا عليهم، فيقال: فلان مستقيم يدعو إلى الله، فهذا يقع في القلوب، فلابد من أن يجاهد الإنسان نفسه، ويستعيذ بالله من الشيطان، ويطرد هذه الخواطر الرذيلة، وليعلم أن الناس لا ينفعونه ولا يضرونه.
ومن الشرك في العمل: التوكل على غير الله في الأسباب الظاهرة، وأما إذا توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، وذلك كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت؛ لحصول مطالبهم من نصر أو رزق أو شفاعة، فهذا شرك أكبر، لكن إذا توكل على غير الله في الأسباب الظاهرة -كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله عليه من رزق، أو دفع أذى- فهذا نوع من الشرك الأصغر؛ لما فيه من ميل القلب إلى غير الله، فيجب أن تعلق القلوب بالله، ولا يجوز للإنسان أن يميل بقلبه إلى غير الله عز وجل.
والتوكل يجمع شيئين: الأول: الأخذ بالأسباب، والثاني: تفويض الأمور إلى الله، والاعتماد بالقلب على الله في حصول النتيجة، وهذه من أعمال القلوب، أعني تفويض الأمر والاعتماد على الله، وأما فعل الأسباب الحسية فمن أعمال الجوارح، ولهذا كان التوكل على غير الله داخلاً في شرك العمل؛ لأن الأسباب هنا من أعمال الجوارح، وتفويض الأمر إلى الله والاعتماد عليه في حصول النتيجة من أعمال القلوب، فإذا توكل في الأسباب الظاهرة فهو شرك أصغر؛ لما فيه من ميل القلب إلى غير الله، وأما إذا وكل شخصاً نيابة عنه فهذه وكالة جائزة، وبعض الناس حين يوكل يقول: توكلت عليك -يا فلان- في كذا، وهذا خطأ، بل عليه أن يقول: وكّلتك، ولا يقل: توكلت عليك، وإنما يقول: وكلتك هذه النيابة والوكالة، لكن ليس معنى ذلك أن يعتمد على موكله في حصول ما وكله فيه، بل عليه أن يعتمد على الله في توكيل أمره الذي يطلبه بنفسه أو يطلبه بوكيله، فالاعتماد والتوكل هو على الله، وأما الوكالة فهي من جملة الأسباب التي يفعلها الإنسان ولا يعتمد عليها، فلا يعتمد على السبب، بل يعتمد على المسبب، وهو الله الذي بيده السبب والوكالة سبحانه وتعالى، وكذلك على الوكيل أن يعتمد على الله في تيسير أمره الذي يطلبه لنفسه أو لموكله؛ لأن الوكالة سبب، ولا يجوز الاعتماد على السبب، وإنما يكون الاعتماد على الله سبحانه وتعالى الذي بيده السبب والمسبَّب.