والجهمية هم الذين ينتسبون إلى جهم بن صفوان، وهذا الرجل ظهر في أوائل المائة الثانية، ونسب إليه تعطيل الصفات؛ لأنه هو الذي نشر عقيدة نفي الصفات بين الناس وأظهرها، وقد سبقه رجل آخر أسس عقيدة نفي الصفات، وهو الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري أمير العراق.
وتعطيل الجعد بن درهم كان في كلمتين فقط: الكلمة الأولى: نفيه أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلاً، والكلمة الثانية: نفيه أن يكون الله كلم موسى تكليماً، فقتله خالد بن عبد الله القسري أمير العراق، بفتوى من علماء زمانه وأكثرهم من التابعين رحمهم الله.
ولكن الجهم سبق له أن اتصل به وأخذ عنه، وكان الجهم قد حصل له مناظرة مع طائفة من أهل الهند في ذلك الزمان يقال لهم: السمنية، فناظروه وهم لا يؤمنون إلا بالحسيات، فقالوا: إلهك هذا الذي تعبد هل تراه؟! قال: لا، قالوا: هل سمعته؟! قال: لا، قالوا: هل شممته؟! قال: لا، قالوا: هل ذقته؟! قال: لا، قالوا: هل لمسته؟ قال: لا، قالوا: إذاً هو معدوم، فشك في ربه ومكث أربعين يوماً لا يصلي ولا يعرف أن له رباً، ثم وسوس الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجوداً مطلقاً، فأثبت وجوداً لله مطلقاً، ونفى عنه جميع الأسماء والصفات، والوجود المطلق إذا قيل فمعناه أنه مطلق عن جميع الأسماء والصفات، وهذا معناه لا يكون إلا في الذهن فقط، فهو وجود يفرضه الذهن ويتخيله، ولا وجود له في الخارج، نسأل الله السلامة والعافية.
وكان هذا الرجل قد اتصل بـ الجعد كما سبق، والجعد أخذ عن أبان بن سمعان، وأبان بن سمعان أخذ عن طالوت ابن أخت لبيد، وطالوت أخذ عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان -أيضاً- قد نشأ في أرض حران، وفي ذلك الوقت انتشر فيها الصابئة والمشركون والوثنيون، فصارت عقيدة نفي الصفات متصلة باليهود والمشركين وعباد الكواكب والنصارى والوثنيين.
والجهم بن صفوان قتله سلم بن أحوز أمير خراسان في عهد آخر خلفاء بني أمية، لكن هذه العقيدة انتشرت فسميت بعقيدة الجهمية، نسبة إلى هذا الرجل؛ لأن هذا الرجل هو الذي ابتدع هذه العقيدة وهي عقيدة نفي الصفات، فإذا قيل: عقيدة الجهمية فالمراد بها: نفي الصفات والأسماء، والجهم هو الذي تمنى أن يحك من المصحف آية الاستواء:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:٥٤] وكان له زوجة معطلة مثله، يقال: إن زوجته دخلت إلى سوق الدباغين فسمعت قارئاً يقرأ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:٥٤] فقالت: محدود على محدود، وقصدها من ذلك إنكار الاستواء، أي: أن الله لا يحده شيء، وهذا إنكار لكون الله فوق السموات وعلى العرش، فمذهب الجهمية هو تعطيل الله عن أسمائه وصفاته.