للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستدلال بقوله تعالى: (ويقولون في أنفسهم) ونقضه]

من أدلة الأشاعرة على أن الكلام معنى قائم بالنفس: قول الله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة:٨]، ووجه الدلالة أنهم قالوا: إن الله أخبر أن القول إنما يكون في النفس، فدل على أن الحرف والصوت ليس من القول، وهذا يدل على أن كلام الله معنى قائم بنفسه لا يسمع.

وأجاب أهل الحق عن استدلالهم بهذه الآية بجوابين: الجواب الأول: جواب بالمنع، والجواب الثاني: جواب بالتفنيد.

فالجواب الأول: أننا نمنع أن يكون المراد بالقول في الآية هو القول في النفس، بل المراد بقوله تعالى: ((وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ)) أي: يتكلمون بألسنتهم سراً، وهذا هو الذي عليه أكثر المفسرين؛ فإن اليهود كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: (السام عليك) بدل أن يقولوا: السلام عليك، ويعنون بالسام الموت، فهم يوهمون بأنهم يقولون السلام عليك، وهم يقولون: السام.

ثم إذا خرجوا من عنده يقول بعضهم لبعض سراً: لو كان نبياً لعذبنا الله بقولنا له ما نقول.

فأنزل الله: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة:٨]، وهذا هو الذي عليه أكثر المفسرين، ويؤيد ذلك الحديث القدسي الذي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن ربه عز وجل: (إن الله سبحانه قال: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)، فقوله: (من ذكرني في نفسه) يعني: سراً، وليس المراد ذكر القلب دون اللسان، بل المراد: ذكرني بلسانه سراً.

والجواب الثاني: جواب بالتفنيد، فنقول: سلمنا أن القول في الآية: ((وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ)) هو القول في النفس والقلب من دون تكلم باللسان، لكن القول في هذه الآية مقيد بأنه في النفس، حيث قيده الله فقال: ((وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ)) وإذا قيد تقيد، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)، فقوله: (عما حدثت به أنفسها) قيد بأنه في النفس، وإذا قُيد تقيد، لكن النصوص الكثيرة التي جاءت بإثبات صفة الكلام ليس فيها تقييد بأنه في النفس، كقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]، فلم يقل: وكلمه في نفسه، وقال: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣]، ولم يقل: وكلمه في نفسه، فكيف تقيدونها؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>