للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفات المنافقين في سورة آل عمران]

وذكر الله تعالى أوصافهم في سورة آل عمران، ففي غزوة أحد لما حصل للمسلمين ما حصل، وكان في أول الأمر النصر للمسلمين، ثم لما ترك الرماة الموقف وحصل ما حصل بين الله حال المؤمنين وحال المنافقين، فقال: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} [آل عمران:١٥٣] أي: إذ تهربون {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران:١٥٣ - ١٥٤]، فالله تعالى أنزل النعاس على المؤمنين لتطمئن قلوبهم.

ولهذا قال العلماء: النعاس في الحرب من الله، بخلاف النعاس في الصلاة، فإنه من الشيطان، فالنعاس فيها يكون من النفاق، أما النعاس في الحرب فهو يدل على الإيمان، قال تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال:١١]، وفي الآية الأخرى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران:١٥٤] وهم المؤمنون، {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:١٥٤]، وهم المنافقون، فليس عندهم نعاس، بل عندهم رعب وخوف وهلع، وهل يمكن للإنسان أن يكون عنده رعب وخوف وهلع ويكون عنده نعاس؟! وجاء في تفسير قوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:١٥٤] أن الكفار ظنوا أن الدائرة ستكون لهم، وأنهم سوف يقضون على الإسلام قضاء مبرماً، وقد بين الله هذا الظن في سورة الفتح بقوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح:١٢]، فظنوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة لا يرجعون إلى المدينة، وسيقضون عليهم قضاء مبرماً وينتهي الإسلام.

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:١٥٤]، وهذا الكلام قاله عبد الله بن أبي، حيث قال: على أي شيء نخرج ونقتل أنفسنا؟! فرد الله عليهم: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:١٥٤].

وقال سبحانه بعد آيات في بيان غزوة أحد وما أصاب المسلمين: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران:١٦٦ - ١٦٧] أي أن الهزيمة بإذن الله، ولأجل أن يعلم المؤمنين أنه إنما يظهر الإيمان ويستقر بعد المحنة والامتحان والابتلاء، ولهذا قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران:١٦٦ - ١٦٧] أي: لأجل أن يخرجوا ما في نفوسهم من كراهية للإسلام والمسلمين، ولهذا فإن النفاق لم يظهر إلا بعد غزوة بدر، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران:١٦٧]، وهذا من صفات المنافقين، فهم يقولون كلاماً يخالف ما في قلوبهم، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران:١٦٧].

ثم قال تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران:١٦٨] وهم المنافقون حينما قعدوا عن الجهاد وقالوا لإخوانهم: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٦٨]، أي: قالوا للذين خرجوا من المدينة للقتال: لو أطاعونا في عدم الخروج للقتال ما قتلوا.

قال الله: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:١٦٨]، أي: ادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين.

ولا يستطيعون.

<<  <  ج: ص:  >  >>