[أنواع البدع في باب الأسماء والصفات]
أما البدع في باب الأسماء والصفات، فهي بدعتان: البدعة الأولى: بدعة المشبهة.
والبدعة الثانية: بدعة المعطلة.
فبدعة التشبيه وقال بها المشبهة، وبدعة التعطيل قال بها المعطلة.
والمشبهة والمعطلة فرقتان كافرتان على وجه العموم بقطع النظر عن التفصيل وعن الأشخاص؛ فالمشبهة كفرة وكذلك المعطلة كفرة.
ولهذا يقول العلماء: المشبه يعبد صنماً ولا يعبد الله في الحقيقة، وإنما يعبد شيئاً في ذهنه يتخيله، فهو يعبد صنماً ولا يعبد الله، والمعطل الذي نفى كل شيء عن الله ولم يثبت شيئاً يعبد عدماً لا وجود له.
فيقول العلماء: المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، والموحد يعبد إلهاً واحداً فرداً صمداً.
فالبدعة قد تصل إلى الكفر وقد لا تصل، فقد تكون كبدعة الأشاعرة، وهذه بدعة لا تصل إلى الكفر، وقد تكون كبدعة الجهمية فتصل إلى الكفر.
والمشبهة: هم الذين شبهوا الله بخلقه ومثلوا صفاته بصفات المخلوقين، وأصل ضلالهم وبلائهم من الغلو في الإثبات، فإنهم غلوا في إثبات الأسماء والصفات وقالوا: إن لله أسماءً وصفات، لكنهم زادوا وغلوا في هذا الإثبات حتى قالوا: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوق، فيقول أحدهم: علم الله كعلم المخلوق، ورحمة الله كرحمة المخلوق، وسمع الله كسمع المخلوق، وهكذا.
وأول من قال: إن الله جسم هشام بن الحكم الرافضي وبيان بن سمعان التميمي الذي تنسب إليه البيانية من غالية الشيعة، وأكثر المشبهة من غلاة الشيعة البيانية، وكان بيان بن سمعان التميمي يقول: إن الله على صورة الإنسان.
ومن المشبهة هشام بن سالم الجواليقي وداود الجواربي وأتباعهم، وهؤلاء غلوا في الإثبات حتى قالوا: إن الله يرى في الدنيا بالأبصار، وهؤلاء المشبهة قالوا: إن الله يرى في الدنيا بالأبصار، وقال بعضهم: إن الله ينزل عشية عرفة على جمل، وأنه يرى ويحاضر ويسامر ويصافح.
وقال بعضهم: إنه يندم ويحزن ويبكي، كما قالت اليهود، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، نسأل الله السلامة والعافية.
والتشبيه مذهب باطل قد جاء الكتاب العزيز والسنة المطهرة بنفيه ورده وإبطاله والنهي عنه؛ قال الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢]، وقال سبحانه: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤]، وقال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، ومن يشبه الله بخلقه ويقول: إن الله يشبه المخلوقات فإنه في الحقيقة ليس عابداً لله، وإنما يعبد وثناً صوره له خياله ونحته له فكره، فهو من عُباد الأوثان لا من عُباد الرحمن.
ولهذا يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان ومن شبه الله بخلقه فقد شابه النصارى في عبادتهم للمسيح ابن مريم من دون الله.
ولهذا يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: من شبه الله العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني فهؤلاء المشبهة لم يعبدوا الله في الحقيقة، وإنما عبدوا وثناً فصوروه وتخيلوه، وأما رب العالمين فهو فوق ما يظنون وأعلى مما يتوهمون، فلله ذات لا تشبه الذوات، وله صفات لا تشبه الصفات.
قال نعيم بن حماد شيخ الإمام البخاري رحمه الله: من شبه الله بخلقه كفر، ومن نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله من ذلك تشبيه.
أما المعطلة -وهم الطائفة الثانية- فهم الذين عطلوا الله من صفاته وأسمائه.
وسموا معطلة من العطل، وهو الخلو والفراغ والترك، ومنه قوله تعالى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج:٤٥] إذا خلت من الماء ومن الدلاء، قال الراغب: التعطيل: فقدان الزينة والشغل، ويقال: امرأة عطل وعاطل: إذا لم يكن عليها زينة، وقوس عطل: لا وتر عليه، وعطلت الإبل عن راعيها والدار عن ساكنها، قالوا: إذا تعطلت الدار عن الساكن فهي معطلة، وكذلك الإبل إذا تعطلت عن راعيها، ويقال لمن يجعل العالم فارغاً بزعمه عن صانع أتقنه وزينه: معطل، ومن أنكر وجود الله فهو معطل ملحد، عطل هذا الكون من خالقه.
وسمي جاحدو الصفات معطلة لأنهم عطلوا الله من صفات كماله، فالمعطلة هم الذين نفوا الأسماء والصفات، والمشبهة هم الذين شبهوا الله بخلقه.