للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب الحلولية والاتحادية]

القول الأول في المراد بكلام الله -وهو أشدها وأعظمها خطراً وأفسدها- هو القول بأن كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله، فأصحاب هذا القول يقولون: كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله سواء تكلم به إنسان، أو حيوان، أو طير، أو دابة، وسواء أكان حقاً أم باطلاً، وسواء أكان شعراً أم نثراً، فجميع ما يسمع في الوجود فهو كلام الله، وهذا مذهب الاتحادية القائلين بوحدة الوجود، وهؤلاء كثير في أهل الأرض، ومن المعلوم أن هؤلاء كفار، لكن أتينا بقولهم لأن الاتحادية الآن ينسبون إلى الإسلام، بل إنهم يقولون: إنهم هم العارفون، ورئيسهم ابن عربي يقولون عنه: رئيس العارفين، وهناك من يقدسهم ويعظمهم ويحترمهم ويرى أنهم هم أهل الحق وهم أهل المعرفة الصحيحة، ولهم مؤلفات تطبع بورق فاخر وتحقق ويدافع عنها، وهي موجودة منتشرة، وإن كانت في غير بلادنا، لكن توجد في مصر وفي غيرها من البلدان.

فالاتحادية يقولون: إن كلام الرب هو كل كلام يسمع في هذا الوجود حقاً كان أو باطلاً، زوراً أو بهتاناً، شعراً أو نثراً.

وهذا القول المبتدع في كلام الرب مبني على مذهبهم في القول بوحدة الوجود؛ لأن مذهبهم أن الوجود واحد، وأنه ليس هناك عبد ورب، بل العبد عين الرب، والرب عين العبد، والخالق عين المخلوق، والمخلوق عين الخالق، وما ثم خالق ولا مخلوق ولا رب ولا عبد، فتفرع عن مذهبهم في القول بوحدة الوجود: القول بأن كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله، والعياذ بالله.

وأصل هذا المذهب -وهو مذهب القول بوحدة الوجود- نشأ عن إنكار مسألة المباينة والعلو، فهم أنكروا أن يكون الرب مبايناً لهذه المخلوقات ومنفصلاً عنها، وأن يكون فوقها، أنكروا هذا وقرروا أن الرب ليس مبايناً لهذا العالم وليس عالياً عليه ولا فوقه، فلما أنكروا مسألة المباينة والعلو صاروا بين أمور ثلاثة: الأمر الأول: أن يقولوا: إن الخالق معدوم والرب معدوم، وليس لهذا الكون خالق، وهذا استبشعوه، وقالوا: لا أحد يقبل هذا الإنكار الصريح، وهو نفي الرب وإنكار الرب.

الأمر الثاني: أن يقولوا: إنه موجود، لكن لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، قالوا: وهذا لا يقبله عقل ولا تسيغه فطره ولا يقبل منا، ولا يمكن أن يكون هذا إلا معدوماً، بل هو ممتنع.

فاختاروا الأمر الثالث، وهو أن يقولوا: الخالق هو نفس مخلوق، فأنت الرب وأنت العبد، وأنت الخالق وأنت المخلوق، فاختاروا هذا القول الذي فيه تلبيس، وكسوه وحلوه بشيء من الحق حتى راج أمره على ضعفاء البصائر وظنوا أنه الحق، فهم يقولون: نحن لا ننكر الخالق، لكن الخالق هو المخلوق، والرب هو العبد، فلما قرروا أن الرب سبحانه هو العبد والخالق هو المخلوق ثبت عندهم أنه عين هذه الموجودات.

إذاً: فثبت له كل حسن أو قبيح، وكل صفة كمال أو نقص، وكل قول حتى الباطل، والعياذ بالله.

وقالوا: لما ثبت أن هذا الخالق هو المخلوق ثبت إذاً أن كل اسم في هذا الوجود فهو لله، سواء أكان حسناً أم قبيحاً، وكل صفة في هذا الوجود فهي لله، سواء أكانت صفة كمال أم نقص، وكل قول فهو قول الله، وكلام الله، سواء أكان حقاً أم باطلاً، سحراً أم كذباً، والأغاني والفحش والرجس وغير ذلك من جميع الأقوال الباطلة وغير الباطلة هي كلام الله.

وهذا مذهب باطل وشنيع، وهو من أعظم الكفر، بل إن كفر كل كافر جزء من كفر الاتحادية والعياذ بالله، فهل يجرؤ عاقل على أن يقول: إن كل كلام يسمع في هذا العالم هو كلام الله، بما فيه من الفحش وبما فيه من الخلاعة والمجون والسحر والرجس وغير ذلك؟! فهذا من أعظم البدع التي قيلت في كلام الله، وهي بدعة كفرية مبنية على مذهب كفري، بل إن الاتحادية أكفر خلق الله، وكفر كل كافر جزء من كفرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>