يحكى عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه جاء إليه قوم يريدون أن يناظروه في إثبات وجود الله، فلما جاءوا وجلسوا عنده قالوا: نريد أن نناظرك في إثبات وجود إله لهذا الكون، فقال لهم: قبل المناظرة أريد أن أخبركم عن قصة قيلت، قالوا: ما هي؟ قال: يحكى أن سفينة في نهر دجلة ليس لها قائد، جاءت وحدها ورست على الساحل، ثم حملت بنفسها جميع البضائع حتى امتلأت، ثم ذهبت بنفسها وصارت تمخر عباب الماء، حتى وصلت إلى الشاطئ الثاني، ثم رست أياماً وليالي، فلما وصلت إلى الساحل الثاني أفرغت حمولتها بنفسها، ثم رجعت، وهكذا تمشي في البحر ليس لها قائد ولا ملاح.
فقالوا: هذا مستحيل لا يمكن، ولا يصدق بهذا عاقل! سفينة ليس لها ملاح ترسي على الساحل وحدها، وتحمل البضائع وحدها، ثم تذهب وتفرغ حمولتها بنفسها وترجع، وليس لها ملاح ولا قائد! هذا لا يمكن، بل مستحيل.
قال: فإذا كان يستحيل أن تكون سفينة واحدة تمشي بدون مدبر، فكيف يمشي هذا الكون بدون مدبر؟! وكيف يوجد هذا الكون بدون مدبر؟! وهذا العالم علويه وسفليه هل يمكن أن يوجد بدون مدبر؟! أين عقولكم؟! فهذه السماوات، وهذه الأفلاك، وهذه النجوم، وهذه المجرات، وهذه الشمس، وهذا القمر، وهذه الأرض، وهذا النبات، وهذه الأشجار، وهذه الحيوانات، وهذه الحيتان، وهذه الطيور، هل يمكن أن توجد بدون مدبر؟! إذا كنتم تقولون: يستحيل أن تدبر سفينة نفسها، فكيف يجوز أن يدبر العالم نفسه بنفسه؟! فانقطعوا وبهتوا وانتهت المسألة من أساسها.
فتوحيد الربوبية توحد فطري، فقد فطر الله جميع الخلق على الإقرار بوجود الله والإقرار بربوبيته.