ش: أي هذا باب في بيان أحكام النوافل. ولما فرغ من بيان الفرائض والواجبات شرع في بيان النوافل، وهي أعم من السنن، فلذلك عبر بالنوافل ثم قدم أحكام السنن؛ لأنها أقوى من النوافل؛ لأنها جمع نافلة وهي الزيادة، ونافلة الصلاة الزيادة على المفروضة، ونافلة الرجل ولد ولده؛ لأنه زيادة على أولاده، والتنفل التطوع، والتطوع في الأصل فعل الطاعة، وفي الشرع والعرف مخصوص بطاعة غير واجبة، ومن ذلك قيل هما مترادفان، والنفل بسكون الفاء زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا، ووجود اشتقاقه يدل على الزيادة، وبفتح الفاء الغنيمة، وهو ما يجعله الإمام لبعض الجيش زيادة على ما يستحقه من ثباتها، ويجمع على أنفال، والنوفل: البحر والرجل الكثير العطاء، والواو زائدة للإلحاق ب [ ... ]
فإن قلت: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله خاصة؟ قلت وجود معنى الزيادة في كل منهما، لأن الوتر زائد على الفرائض على ما صرح به في الحديث إن الله زادكم صلاة.
م:(السنة ركعتان قبل الفجر) ش: أي قبل صلاة الفجر بعد طلوعه، قدم ذكر السنة على النفل المطلق لقوتها، ثم بدأ بسنة الفجر لكونها أقوى من غيرها؛ لما روي عن عائشة في الصحيح.
قالت:«لم يكن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على شيء من النوافل أشد تعهدا منه على ركعتي الفجر» وفي " سنن أبي داود ": «لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل» .
فإن قلت: هذا يدل على وجوبها لأجل مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها، ولهذا ذكر المرغيناني عن أبي حنيفة أنها واجبة. وفي " جوامع المحبوبي " روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز.
قلت: إنما لم يقل بوجوبها؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة، وقالوا العالم إذا صار مرجعا للفتوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر، وذكر التمرتاشي في " الأمالي " ترك الأربع قبل الظهر والتي بعدها وركعتي الفجر لا يلحقه الإساءة إلا أن يستخف به، ويقول هذا فعل النبي وأنا لا أفعل، فحينئذ يكفر، وفي النوازل وفوائد الرستغفني من ترك سنن الصلوات الخمس ولم يرها حقا كفر، ولو رآها حقا وترك قيل لا يأثم، والصحيح أنه يأثم؛ لأنه جاء الوعيد بالترك، وعن أبي سهل الرازي من أصحاب أبي حنيفة لو ترك الأربع قبل الظهر وواظب على الترك لا تقبل شهادته، وفي " المجتبى ": لا يختلف الرجل