واظب على البعض، وأما إذا قرأ أحيانا تبركا، روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقرأ السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}[الإنسان: ١] في صلاة الفجر» فيكون مستحبا لا مكروها، فلذلك قال: ممن تصدى للتدريس ولم يقل من تصدى للشرح.
ثم ذكر السغناقي سؤالا آخر ملخصه: أنه علم كراهة التعيين من جانب واحد فعلمه من الجانبين بالطريق الأولى؛ لأن الكراهة ما جاءت إلا من جانب التقديم وأجاب بما ملخصه بطريق المنع؛ لأنه يجوز أن يكون للتعيين من الجانبين فائدة لزيادة التبرك بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك دون الآخر، حتى إن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرى استحباب الثاني دون الأول؛ لأن فيه هجرا للباقي من غير تضمن معنى التبرك، فيكره الأول دون الثاني، وقد تكلم هاهنا من غير تحريم يعلم ذلك بالوقوف عليه والتأويل فيه.
ثم قال الإسبيجابي والطحاوي: هذا الذي ذكر رآه حتما واجبا، لا يجزي غيرها أو رأى القراءة بغيرها مكروهة، أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركا بقراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها أو تأسيا به، أو لأجل التيسير عليه، فلا كراهة في ذلك، لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا يظن الجاهل الغبي أن لا يجوز غير ذلك، وغالب العوام على اعتقاد بطلان سورة السجدة دون سورة (هل أتى) ، وما تحملهم على هذا إلا التزام الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قراءة سورة السجدة.
وقال الطحاوي: قرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة بغير ما ذكر فيها. وعن النعمان بن بشير:«أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعة الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[الغاشية: ١] » ، فيحمل على أنه قرأ هذا مرة، وبهذا مرة، واستدل النووي بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم}[السجدة: ١]{تَنْزِيلُ}[السجدة: ٢] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}[الإنسان: ١] » على سنية قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة.
وكذلك استدل بما رواه مسلم وأبو داود والنسائي بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}[المنافقون: ١] » "، وقال: فيه دليل لمذهبنا، ومذهب موافقينا، وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة المروية من طريق ابن عباس، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
قلت: ولا خلاف بيننا وبينهم في الحقيقة؛ لأن أبا حنيفة إنما كره الملازمة إذا لم يعتقد الجواز بغيره، والشافعي أيضا يكره مثل هذا، أما إذا اعتقد الجواز بغيره ولازم على سورة معينة لأحد الوجوه التي ذكرناها الآن فلا يكره.
[[قراءة المؤتم خلف الإمام]]
م:(ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام) ش: سواء جهر الإمام أو أسر به.