م:(فصل في البئر) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام ماء البئر، ولما كان أحكام مياه الآبار داخلة في باب الماء الذي يجوز به الوضوء ذكرها فيه، ولكن لما كان في هذا الفصل أحكام كثيرة تخالف أحكام ما ذكر في الباب ذكرها بفصل على حدة، فلذلك أفرد أحكام الآبار وغيرها أيضا فذكرها بفصل على حدة. وقد تكلف الشارحون في هذا الموضع وذكروا أشياء بلا فائدة زائدة.
فقال السغناقي: لما ذكر حكم الماء بأنه يتنجس كله عند وقوع النجاسة فيه حتى يراق كله، ورد عليه حكم ماء البئر نقضا أنه لا ينزح كله في بعض الصور، استدعى هو ذكر ماء البئر على حدة مرتبا عليه، لأن كونه من الماء القليل يقتضي أن يكون متصلا به من غير فصل، لكن يخالفه في الحكم، ففصله بفصل على حدة رعاية للمعنى، وتبعه صاحب " الدراية "، وساق ما ذكره بعينه، ثم ذكر الأكمل كذلك، وهذا كله لا طائل تحته، وتشويش على المحصلين بزيادة كلام لا يتعلق بالمسائل المذكورة في هذا الباب.
على أنا نقول: ما كان ينبغي أن يذكروا فيه المناسبة بين هذا الفصل وبين المسألة التي ذكرت قبلها مسألة شعر الميت وعظمها، وشعر الآدمي وعظمه، وبين هذا الفصل وبين مسألة الماء القليل مسافة بعيدة فيها مسائل كثيرة، فمن هذا عرفت أن الصواب ما ذكرناه.
م:(وإذا وقعت في البئر نجاسة) ش: الكلام أولا في التركيب ومعاني ألفاظه، فنقول: الواو فيه تسمى واو الاستفتاح يستفتح بها كلام مبتدأ، وسمعته من مشايخي الأثبات؛ منهم الشيخ العلامة حسام الدين صنف البخاري وغيره، ومع هذا لا يخرج هاهنا عن كونها عاطفة على ما قبلها، ويكون ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بمعنى الذي ذكرناه مثل الجملة المعترضة، ومعنى الوقوع السقوط، والبئر يجمع في القلة على أبؤر وأبأر بهمزة بعد الباء، ومن العرب من يقلب الهمزة فيقول: آبار فإذا كثرت فهي البئار وقد بارت بئرا، والبؤرة الحفرة. وقال أبو زيد: بارت آبارا حفرت بؤرة يطبخ فيها وهي الأرض، والبئيرة على وزن فعيلة وخبره قوله م:(نزحت) ش: من نزح البئر نزحا وهو استقاء مائها، يقال: نزحت البئر ونزحتها لازم ومتعد، وفي الحديث نزل الحديبية وهي بئر نزح بالتحريك، يعني أخذ ماؤها وإذا أخذ ماء البئر يقال: بئر نزوح.
وقال الأترازي: قال الشارحون: أي نزحت البئر إطلاقا لاسم المحل على الحال، وقالوا: لأن نزح النجاسة لا يتم الجواب. أقول هذا تكلف ناشئ عن عدم البصر؛ لأن قوله: نزحت ليس بجواب وحده بل الجواب هو وما بعده من قوله: