وكذا يجوز بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -
ــ
[البناية]
التراب فهي لابتداء الغاية، كقولك خرجت من البصرة، يعني ابتداء المسح من الصعيد، بدليل قَوْله تَعَالَى في موضع آخر {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}[المائدة: ٦](المائدة: الآية ٦) وقال صاحب " الدراية " قيل: لا يستقيم هذا الاستدلال؛ لأن المطلق والمقيد إذا وردت في حادثة واحدة في حكم واحد فيجب حمل المطلق على المقيد بالاتفاق، وكذا قوله " من لابتداء الغاية " عدول عن حقيقة هذه الكلمة؛ لأنها حقيقة للتبعيض مجاز لغيره، وفيه تأمل.
قلت: وجه التأمل أن هذا ليس ورود المطلق والمقيد في الآيتين المذكورتين في " النساء " و " المائدة " من قبيل ورودهما في حكم واحد، بل في سبب الطهارة ولا تزاحم في الأسباب، فجرى مجرى المطلق على إطلاقه، ولا يحمل على المقيد. وقوله:" لأنها حقيقة للتبعيض مجاز في غيره " غير صحيح؛ لأن الغالب على كلمة من أن تكون لابتداء الغاية، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه. قال الأترازي: وليس قول أبي يوسف والشافعي، قال الله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}[المائدة: ٦](المائدة: الآية ٦) ، وهذا يدل على أن غير التراب لا يجوز به التيمم، فنقول: لا نسلم أنه يدل على ذلك إلا فيما إذا أريد به التبعيض من قوله " منه " أو فيما إذا أريد منه الابتداء فلا، فإن قلتم بالثاني فلا نسلم الدلالة على ما قلتم؛ لأنه معنى يحصل في كل جزء من أجزاء الأرض، إن قلتم بالأول فنعم يلزم ما قلتم إذا سلم، لكن لا نسلم أن التبعيض هو المراد.
قلت: هو الذي ذكره لا يوافق دليلاً إلا في الخلاف يجوز فيه التيمم بغير التراب أو لا يجوز، والدليل الموافق هو الذي ذكرناه الآن، وهو الخلاف في اشتراط التصاق الغبار وعدمه.
وقوله " لا نسلم أن التبعيض هو المراد " منع مجرد، ويمكن أن يكون للتبعيض؛ لأنه أحد معاني كلمة من.
فإن قلت: علامة كلمة التبعيض أن يسد " بعض " مسدها كقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: ٩٢](آل عمران: الآية ٩٢) .
قلت: لا يتصور ها هنا هذا التقدير فافهم.
[[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]]
م:(وكذا يجوز) ش: أي التيمم، م: بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد) ش: بأن نفض ثوبه أو لبده وارتفع فتيمم منه يجوز عندهما، وبه قال الشافعي. وعند أبي يوسف لا يجوز، وحكي عن مالك أيضاً، وفي " الإيضاح " أن أبا يوسف رجع عن ذلك.
وقال صاحب " الدراية ": قوله مع القدرة على الصعيد نفي لقول أبي يوسف. قلت: ليس الأمر كذلك، وخلاف أبي يوسف معهم من الاقتصار على ذكر أبي حنيفة ومحمد، وإنما هذا قيد قيد به؛ لأنه إذا لم يقدر على الصعيد جاز التيمم بالغبار حينئذ اتفاقاً.