ومن كان له وطن فانتقل منه واستوطن غيره ثم سافر ودخل وطنه الأول قصر؛ لأنه لم يبق وطنا له إيضاح، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة عد نفسه بمكة من المسافرين،
ــ
[البناية]
حالة المسافر العائد إلى وطنه أن يكون في عزمه المقام فيه، ولعل المراد عزم جديد لمدة الإقامة خمسة عشر يوما، فإن الظاهر عدمه.
والاستدلال بالمعقول أظهر، وفيه أن نية الإقامة إنما تعتبر بصيرورة المسافر مقيما في غير مصره، لكون مثله في حيز التردد بين أن يكون بالمسير وبين أن يكون بالإقامة فاحتيج إلى النية، فأما في مصره فهو متعين للإقامة كما كان قبل السير.
قلت: إيضاح النظر بقوله لأن العزم فعل القلب ... إلخ غير محرز، لأن العزم كما هو فعل القلب، فكذلك النية فعل القلب غير أن العزم نية مع تصميم.
وقوله: فأما في مصره فهو متعين للإقامة كما كان قبل المسير غير سديد، لأنا نسلم أنه كان قبل المسير غير متردد، أما بعد المسير وعوده فلا نسلم عدم التردد على ما لا يخفى.
[[حكم من كان له وطن فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر]]
م:(ومن كان له وطن فانتقل عنه) ش: أي بالكلية حتى لو انتقل بنفسه وأخذ وطنا في بلدة أخرى يصير كل واحد منهما وطنا أصليا م: (واستوطن غيره ثم سافر ودخل وطنه الأول قصر، لأنه) ش: أي لأن وطنه الأول الذي انتقل منه م: (لم يبق وطنا له) ش: لأنه انتقل بالكلية فخرج عن كونه وطنا له.
م:(ألا ترى) ش: توضيح لما ذكره م: (أنه) ش: أي أن النبي م: (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة) ش: من مكة إلى المدينة م: (عد نفسه بمكة من المسافرين) ش: يشهد لهذا ما ذكرناه عن قريب من حديث عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وحديث «أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سافرت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كلهم صلى حين خرج من المدينة إلى أن رجع إليها ركعتين في المسير والمقام بمكة،» رواه أبو يعلى في "مسنده".
وحديث «أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قيل: كم أقمتم بمكة؟ قال: أقمنا بها عشرا» رواه البخاري ومسلم ولو لم يعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفسه في مكة من المسافرين لما صلى ركعتين، وكذلك أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.