والجنب إذا انغمس في البئر لطلب الدلو، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرجل بحاله لعدم الصب وهو شرط عنده لإسقاط الفرض.
والماء بحاله لعدم الأمرين.
ــ
[البناية]
فإن قلت: من شرط الاستقرار في مكان شرط أن يكون في أرض، قلت: لا، سواء كان أرضا أو إناء أو كف المتوضئ أو كف غيره ونحو ذلك.
فإن قلت: استدل سفيان الثوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - علينا بمسائل زعم أنها تدل على صحة مذهبه، منها: إذا توضأ أو اغتسل وبقي في يده لمعة فأخذ البلة منها في الوضوء أو من أي عضو كما في الغسل وغسل اللمعة يجوز، ومنها: لو بقي في كفه بلة فمسح بها رأسه يجوز، ومنها: لو مسح أعضاءه بالمنديل فابتل جازت الصلاة معه، ومنها: لو تقاطر الماء من أعضائه على ثيابه وفحش لا يمنع جواز الصلاة.
قلت: أجاب من لم يشترط الاستقرار في المكان عن الأول أن مع النقل في العضو الواحد يفضي إلى الحرج، وعن الثانية: بأن الفرض تأوى بما جرى على العضو لا بالبلة الباقية في الكف، وعن الثالثة والرابعة بالحرج والضرورة وقد ذكرناه.
[[الجنب إذا انغمس في البئر]]
م:(والجنب إذا انغمس في البئر) ش: أراد به الجنب الذي ليس على بدنه نجاسة فإنه إذا كان على بدنه نجاسة وانغمس في البئر نجس الماء وهو على حاله جنب سواء كان انغماسه لطلب الدلو أو لغيره، وإنما قيد بقوله م:(لطلب الدلو) ش: لأنه لو انغمس لطلب الاغتسال للصلاة فسد الماء بالاتفاق م: (فعند أبي يوسف الرجل بحاله) ش: وهو كونه جنبا م: (لعدم الصب) ش: صب الماء؛ لأنه عند الصب يكون كالجاري وعند عدمه يكون راكدا وهو أضعف من الجاري، والله تعالى كلفنا بالتطهير، والقياس يأبى التطهير بالغسل؛ لأن الماء ينجس بأول الملاقاة فلا يحصل به التطهير، وإنما حكمنا بالتطهير ضرورة، وهي تندفع بالصب فلا ضرورة إلى طريق آخر، ولهذا لا يشترط الصب عند الكل في الماء الجاري والحياض الكبيرة. وروي أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: إن الثوب أيضا لا يطهر إلا بالصب وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م:(وهو شرط عنده) ش: أي والصب شرط عند أبي يوسف والواو فيه للحال م: (لإسقاط الفرض) ش: الكلام فيه بالصب م: (والماء بحاله) ش: وهو كونه طاهرا م: (لعدم الأمرين) ش: وهما إسقاط الفرض، ونية القربة فإن الماء إنما يتغير عنده بأحدهما ولم يوجد.
فإن قلت: كان الحق تقديم أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذكر وبعده ذكر أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعده ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: إنما قدم أبا يوسف لزيادة احتياجه إلى البيان بسبب تركه أصله، فإن كان يجب أن ينجس الماء عنده كما قاله أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الماء تغير عنده مستعملا لسقوط الفرض، وإن لم ينو فكأنه إنما ترك أصله في هذه المسألة لضرورة الحاجة إلى طلب الدلو فلم يسقط الغرض كيلا يصير الماء نجسا فيفسد البئر. ونظيره ما روي عنه أنه قال: