م:(كتاب الذبائح) ش: قال الشراح كلهم: المناسبة بين المزارعة والذبائح لكونها إتلافا في الحال للانتفاع في المال، فإن المزارعة إنما تكون بإتلاف الحب في الأرض بما يثبت فيها، والذبائح إتلاف الحيوان بإزهاق روحه في الحال للانتفاع بلحمه بعد ذلك.
قلت: كان ينبغي أن يذكر المناسبة بين الذبائح والمساقاة لأنها مذكورة عقب المساقاة دون المزارعة، وكل من المزارعة والمساقاة مستندة بأداتها مخصوصة بأحكامها، ولهذا صرح كل منهما بالكتاب، ولو كانت المساقاة تابعة للمزارعة من كل وجه.
يقال بأن المساقاة على ما لا يخفى، ولكن يمكن أن يقال: إن وجه المناسبة بين المساقاة والذبائح من حيث التضاد، فإن المساقاة إحياء النخل والشجر، وفي الذبائح الإماتة. ولو قلنا: إن المساقاة تابعة للمزارعة فالمناسبة بينهما ما ذكرنا أيضا لأن في المزارعة إحياء الأرض وهذا مما سنح به خاطري، فعلى المراد أن يأتي بوجه أحسن منه وإلا فليرعو عن القلب في عوض الغير ظنا منه أنه على شيء.
ثم الذبائح جمع ذبيحة وهي اسم لما ذبح وكذلك الذبح بكسر الذال وسكون الباء. قال الله سبحانه وتعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات: ١٠٧] فعل بمعنى مفعول، والذبيح المذبوح، والأنثى ذبيحة، وإنما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها، وأصل الذبح الشق. قال: كان بين فكها والفك فأرة مسك ذبحت في سك، أي فبقيت ولكنه يستعمل في قطع الأوداج.
والذكاة الذبح أيضا، سمي به لأنه يجوز أن يكون في اللغة مأخوذا من أحد الأمرين، إما من الحدة يقال سراج ذكي إذا كان - نيرا غاية - لأنه حينئذ في غاية الحدة، ويقال فلان ذكي إذا كان سريع الفهم لحدة خاطره، ويقال: مسك ذكي إذا كان يقدح غاية وإما من الطهارة، «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دباغ الأديم ذكاته» ، ويجوز إطلاقه على الذبح لكلا المعنيين لما فيه من سرعة الموت وطهارة المذبوح عن الدم المسفوح الذي هو نجس.
ثم الذبح مباح شرعا وغير محظور عقلا، وقالت الأولوية والهيضانية الضلال من