فإن قلت: قالوا: المراد بالسلام في الأحاديث التي جاءت بالسجود بعد السلام هو السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد، ويكون تأخيرها على سبيل السهو.
قلت: هذا بعيد مع أنه معارض بمثله، وهو أن يقال: حديثهم قبل السلام يكون على سبيل السهو، ويحمل حديثهم قبل السلام على السلام المعهود الذي يخرج به من الصلاة وهو سلام التحلل، ويبطل أيضا حملهم على السلام الذي في التشهد، إن سجود السهو لا يكون إلا بعد التسليم اتفاقا.
وقال الأكمل: في هذا الموضع اعترض عليه بوجهين.. إلخ، قلت: أخذ هذا من كلام السغناقي في تقدير الاعتراض الأول أن المعارضة بين الحجتين إنما يصار إلى ما بعدهما من الحجة لا إلى ما فوقهما، والقول فوق الفعل لأن القول موجب، والفعل لا، وكيف صير إلى القول عند معارضة الفعل، والاعتراض الثاني أنه يلزم من هذا الذي ذكره الترجيح بكثرة الأدلة، وهو غير جائز إذ كل ما يصلح علة لا يصلح حجة، وقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أقوى العلل، فكيف لا يصلح حجة.
أجيب عن الأول: بأن المعارضة تقتضي المساواة وليس المعارضة بين القول والفعل لقوة القول وضعف الفعل، ولما ثبتت المعارضة بين الفعلين لتساويهما في القوة، أخذنا بالقول، لأنه يشهد لنا فعملنا به. وقولهم: إن المعارضة إذا وقعت بين الحجتين يصار إلى ما بعدها، إنما يكون ذلك عند انعدام الحجة فيما فوقهما، وإن كانت الحجة فوقهما فلا تحتاج حينئذ إلى المعارضة، وهنا كذلك، وإن أنكروا ثبوته بنقل العدل. وأجيب عن الثاني: بأن ما قلتم إنما يلزم أن لو قلنا بترجيح الفعل بالقول، ولا نقول به، بل نقول لما تعارض فعله رجعنا إلى ما هو الحجة في الباب، وهو حديث القول.
قلت: فيه نظر لأن بين قوله أيضا تعارض كما ذكرنا، والأوجه في الجواب ما ذكرناه من جعل الأحاديث على جواز الأمرين، وأيضا حديث ذي اليدين منسوخ، وفي " الأنوار ": تأويل ما رواه الشافعي أن الراوي دخل في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سجدتي السهو، وعاين السلام بعدهما، فروي كذلك أو كان منه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبيان الجواز قبل السلام لا لبيان المسنون.
م:(ولأن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام) ش: هذا دليل عقلي على كون سجود السهو بعد السلام تقديره أن القياس كان يقتضي أن لا يتأخر سجود السهو عن زمان سجود العلة، وهي السهو، إلا أنه لما كان مما لا يتكرر أخر عن السلام، وأما كونه لا يتكرر فلأنه إذا سجد زمان وجود السهو، ثم إذا سهى فلا يخلو إما أن يسجد ثانيا أو لا، فإن لم يسجد بقي بعض لازم لا