(البقرة: الآية ٢٢٩) والظلم يرجع إلى النقصان، قال الله تعالى:{وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}[الكهف: ٣٣](الكهف: الآية ٣٣) ، أي: لم ينقص، وأخذ الأكمل منه، وبه فسر السغناقي.
وقال البخاري: كره أهل العلم الإسراف فيه، وإن لم يجاوز فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هذا من البخاري إشارة إلى نقل الإجماع على منع الزيادة عليها، وقد قال الشافعي في الأم: لا أحب الزيادة عليها فإن زاد لم أكره إن شاء الله تعالى، وذكر أصحابه ثلاثة أوجه:
أصحها: أن الزيادة عليه مكروهة كراهة تنزيه، وثانيها: أنها حرام، وثالثها: أنها خلاف الأولى، وأبعد من قال: إذا زاد على الثلاث بطل وضوءه، حكاه الدبري في " استذكاره " وهو خطأ.
فإن قلت: ما حكم الثلاث. قلت: الأولى: فرض، والثانية: سنة، والثالثة: إكمال السنة وهي المذهب، وقيل: الثانية سنة، والثالثة: نفل، وقيل: بالعكس وعن أبي بكر الإسكاف الثلاث فرض، ذكره في " مختصر المحيط "، ولو توضأ مرة مرة لقوة البرد أو لقلة الماء أو لضرورة لا يكره ولا يأثم وإلا فيأثم، وقيل: إن اعتاد يأثم وإلا فلا.
فإن قلت: كيف يكون النفل عن الثلاثة إثما وظلما، وقد ثبت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين» . قلت: ذلك لبيان الجواز وكان ذلك الحال أفضل؛ لأن البين واجب عليه. فإن قلت: مقتضى التأويل أن من غسل ما فوق المرفق والكعب يكون مسيئا وظالما، وجاء في تلك الإطالة الغرة والتحجيل الثابتة في الصحيح، وكان أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يمر يده حتى يبلغ الإبط، فقيل له: ما هذه الوضوء، «فقال: سمعت خليلي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: " يبلغ الحلي من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، رواه مسلم، والبخاري» رواه بمعناه. قلت: تحصيل الجواب لما ذكرنا من التأويلات في قوله: فقد تعدى وظلم، وقال ابن بطال: هذا الذي قال أبو هريرة ما لم يبالغ عليه المسلمون مجمعون على أن الوضوء لا يتعدى به ما حد الله ورسوله، ولم يتجاوز فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قط مواضع الوضوء.
قلت: هذا ترك الأدب في حق الصحابي، وهو لم يفعل ما فعل من تلقاء نفسه بل أخذه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ودعوى الإجماع لا يقبل مع خلاف أبي هريرة والشافعي وأصحابه، بل قالوا باستحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين لا خلاف فيه بين أصحابه، ذكر النووي حتى لو قطعت اليد من محل الفرض كالمنكب يستحب أن يمسح موضع القطع بلا خلاف، نص عليه