ومن ضرورته عموم التقدير، وقدره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيومين وأكثر اليوم الثالث،
ــ
[البناية]
مسافرا، ولو كان مسافرا يلزم أن لا تكون اللام للجنس وهو فاسد، فإذا كان للجنس لعدم المعهود تكون الرخصة عمت بالنسبة إلى من هو من هذا الجنس، وذلك يستلزم أن يكون التقدير بثلاثة أيام أيضا عمت بالنسبة إلى ذلك، وإلا لكان نقيضه صادقا وهو بعض من هو مسافر لا يمسح ثلاثة أيام ويلزم الكذب المحال على الشارع إن كانت الجملة خبرية أو عدم الامتثال لأمره إن كانت طلبية، وذلك لا يجوز لما ثبت أن اللام للجنس ثبت من ضرورته.
وهو معنى قوله م:(ومن ضرورته عموم التقدير) ش: أي: ومن ضرورة الجنس التقدير بثلاثة أيام في حق كل مسافر لما ذكرنا، ويقال: إن النص يقتضي أن كل من صدق عليه أنه مسافر يشرع له مسح ثلاثة أيام، كما أن كل من صدق عليه أنه مقيم يشرع مسح يوم وليلة بمقتضى اللام، ويقال: إن قوله: المسافر يقتضي، أن السفر هو العلة للقصر، فكلما تحقق السفر تحقق المسح ثلاثة أيام، ولياليهن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢](النور: الآية ٢) .
فإن قلت: عموم التقدير في المدة إنما يلزم من عموم الرخصة الجنس إذا كان قوله: ثلاثة أيام ظرفا بقوله: يمسح لا للمسافر.
قلت: لو جاز في قوله يوما، وليلة أن يقع ظرفا لقوله للمقيم لا لقوله يمسح، لأنه إلى نسق واحد، فحينئذ يفسد المعنى لأنه يكون معناه المقيم يوما، وليلة يمسح وغيره لا كما إذا قال ما قام شهرا، أو سنة، أو سنتين مثلا، فإذا كان كذلك، قلنا: الحرف للفعل لا للفاعل في الوجهين.
فإن قلت: هب أن الظرفية للفاعل، ولا يلزم ما ذكرتم؛ لأنا نجد دليلا، يجوز مسح المسافر يوما، وليلة، أو أقل، وهو ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا أهل مكة: لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى غطفان» .
قلت: قد ذكرنا هذا الحديث، وفيه ما يرده.
فإن قلت: هذا متروك الظاهر؛ لأن ظاهره يقتضي استيفاء مدة ثلاثة أيام ولياليها، وذلك ليس بشرط بالاتفاق.
قلت: المتروك للاستراحة ملحق بالسير في حق تكميل مدة السفر تيسيرا على ما ذكرناه.
م:(وقدره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قدر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحد في مدة السفر، وفي أكثر النسخ، وقدر بلا ضمير منصوب، والتقدير: وقدر أبو يوسف مدة السفر. م:(بيومين، وأكثر اليوم الثالث) ش: وهو رواية المعلى، عن أبي يوسف، ووجهه: أن الإنسان قد يسافر مسيرة ثلاثة أيام، فيعجل السير فيبلغ قبل الوقت بساعة، لا بعد بذلك.