بنت معوذ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه مرتين» وعن عبد الله بن زيد مثله، وقال أبو عبيد القاسم ابن سلام: لا نعلم أحدا من السلف جاء عنه استكمال الثلاثة في مسح الرأس إلا عن إبراهيم التيمي.
قلت: ذكرنا الآن عن الجماعة الذين ذكرهم ابن المنذر، ومن الغرائب أن الشيخ أبا حامد الاسفراييني حكى بعضهم أنه أوجب الثلاثة وحكاه صاحب " الإبانة " عن ابن أبي ليلى ثم إن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - احتج للشافعي من جهة القياس ولم يحتج له بشيء من الحديث، واحتج له بعض أصحابه بحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ ثلاثا ثلاثا» ورواه مسلم ووجه الدلالة منه أن قوله توضأ يشتمل الغسل والمسح، وحديث عثمان أيضا أنه «توضأ، ومسح رأسه ثلاثا، وقال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ هكذا» رواه أبو داود بإسناد حسن ذكره النووي، وقال أيضا ابن الصلاح: حديث حسن. وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه توضأ فمسح رأسه ثلاثا ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل» ورواه البيهقي وقال: أحسن ما روى عن علي ابنه الحسين بن علي فذكره بإسناده وذكر مسح الرأس ثلاثا، «وهكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ» وإسناده حسن.
وأما الذي احتج به المصنف بقوله: اعتبارا بالمغسول فأراد أن المسح ركن من الوضوء فكان التثليث فيه سنة كغسل الوجه واليدين والرجلين، وأيضا الرأس أحد أعضاء الوضوء والمسح أحد قسمي الوضوء فيسن تثليثه كالغسل. قلنا: هذا القياس ضعيف؛ لأن المسموح ليس من جنس المغسول، وكان من الواجب عليه أن يقيس الممسوح على الممسوح بأن يقول: لا يصلح تكرارا إنما شرع بحكم مرة كمسح الخف والجبيرة والتيمم، وهذا مسح فلا يكرر هو الذي قاله الأترازي، وقال صاحب " المفيد " والمزيد: هذا فاسد الوضع؛ لأن المسح مبناه على التوسعة، والتخفيف بخلاف الغسل وإلحاق ما مبناه على التيسير بما مبناه على التعسير فاسد في الوضع، واعتبار المسح بالمسح وجه كمسح الخف والجبيرة، وفي " البدائع " التعسير في الغسل يفيد زيادة النظافة وبزيادة