فإنه يجب عليه الإتمام، وإذا مضى من الوقت ما لم يسع إلا أربع ركعات فإنه يقصر. وهذا بناء على أن الصلاة تجب في أول الوقت. وهاهنا اعتراضات ثلاثة:
الأول: أن الأصوليين قالوا: إن الوجوب يضاف إلى كل وقت عند عدم الأداء فيه لا إلى آخره، فكيف قال المصنف: المعتبر في السببية آخر الوقت عند عدم الأداء.
قلت: قال الأكمل: أجيب: بأن بعض المشايخ يقررون السببية على الجزء الأخير، وإن فات الوقت، فجاز أن يكون المصنف قد اختار ذلك، انتهى.
والأحسن أن يقال: أن الذي قاله المصنف هو الصواب، لأن الوجوب يضاف إلى الجزء الذي يتصل به الأداء إذا وجد الأداء، فإذا لم يوجد الأداء تنتقل السببية جزءا فجزءا إلى آخر الأجزاء، فيكون الآخر معتبرا في السببية.
فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يجوز قضاء العصر إلا بصبي إذا أسلم في ذلك الجزء، وإذا قضاها في الجزء الآخر من هذا اليوم.
قلت: إنما لم يجز باعتبار أنه إذا لم يؤد فيه وجبت كاملة خالية عن الفساد، فلم يجز قضاؤها في الوقت الناقص.
الاعتراض الثاني: أن قوله: القضاء يجب الأداء، ينتقض بما إذا دخل المسافر في صلاة المقيم ثم ذهب الوقت ثم أفسد الإمام والمقتدي صلاته على نفسه، فإنه يقضي ركعتين صلاة السفر، وقد وجب عليه أداء الصلاة أربعا.
الجواب: عنه، أن الأربع إنما لزمه متابعة الإمام وقد زال ذلك الإفساد فعاد إلى أصله، ألا ترى أنه لو أفسد الاقتداء في الوقت كان عليه أن يصلي صلاة السفر، فكذلك هاهنا.
الاعتراض الثالث: أنكم اعتبرتم حال الأداء دون القضاء فيرد عليكم ما إذا فاتته صلاة في المرض حيث يقضيها في الصحة قائما بركوع وسجود، وإذا فاتته في الصحة يقضيها في المرض بالإيماء فاعتبرتم حال القضاء دون الأداء.
الجواب عنه أن المرض لا تأثير له في أصل الصلاة، بل له أثر في الوصف حتى يقع الأداء بحسب القدرة، وللسفر تأثير في أصل الصلاة حيث يتغير الحكم من الإكمال إلى القصر، فلما تحقق القصر في آخر الجزء صار ذلك دينا لم يتغير بعد ذلك، ولهذا لا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم في القضاء، فافهم.